المدافعات عن حقوق الإنسان في السودان: اعتقالات تعسفية مستمرة ومحاكمات غير عادلة
تُستهدَفُ المدافعاتُ عن حقوقِ الإنسانِ مِنْ قِبلِ النظامِ السوداني عبرَ أجهزةِ الأمنِ والتضييقِ فى مساحاتِ العملِ العامِ منذُ سنوات. غير أنه معَ بدايةِ التظاهراتِ المناهضةِ للنظامِ في كانون الأول/ ديسمبر 2018، زادت عملياتُ استهدافِ النساءِ والمدافعاتِ عن حقوقِ الإنسانِ بشكلٍ لا سابقَ له، وذلك نتيجةَ دورِهن القيادي في تنظيمِ الحراكِ السلمي فى كلِّ مدنِ السودان حيثُ تعرضتِ العشراتُ منَ الناشطاتِ للاعتقالِ التعسفي لأشهر، كما اعتُقلت مئاتُ المتظاهراتِ وقُدِّمنَ إلى المحاكماتِ وأُفرِجَ عنهن بعدَ اعتقالاتٍ دامت لساعاتٍ في مراكزِ الشرطة. وفي 8 آذار/مارس 2019، أطلقت السلطاتُ السودانية ما يقاربُ الـ 40 مدافعةً من حقوقِ الإنسان، وهنَّ مدافعاتٌ بارزاتٌ وقيادياتٌ كنَّ اعتُقِلنَ بدورهنَ في تظاهراتِ كانون الثاني/يناير 2018.
وبدأت مرحلةٌ جديدةٌ منذ شباط/فبراير 2019، إذ تمَّ إعلانُ حالِ الطوارئ في السودان لمدةِ ستةِ أشهر. وتمَّت بموجبِ هذا القانونِ عمليةٌ ممنهجةٌ للإغلاقِ التامِ لمجالِ العملَين المدني والعامِ فى البلاد، وخاصة للمدافعات. فنصوصُ قانون الطوارئ تمنعُ كافةَ أشكالِ التظاهراتِ والتجمعات، وتصنِّفُ التجمعَ والتجمهرَ والتظاهرَ كثلاثِ جرائمَ مختلفة وتُعرِّفُها بشكلٍ فضفاض. كما تحظرُ نشرَ المعلوماتِ وتداولَها على كلِّ منصاتِ التواصلِ والإعلام، فنشرُ فيديوهاتٍ أو توثيقاتٍ للانتهاكاتِ على وسائلِ التواصلِ الاجتماعي جرائمَ هي أيضاً. كما تُمنعُ كل أشكالِ التعبيرِ والتجمِع السلمي الحرِ عن الرأي. هذا في ظلِّ أحكامٍ ترهيبيةٍ فى حالِ خرقِ أيٍ من أوامرِ الطوارئ الخاصةِ بحظرِ التظاهرِ أو تداولِ المعلوماتِ ونشرها وسوى ذلك. فهذه العقوباتُ التي تصلُ في أدناها إلى السجنِ ستة أشهر وأقصاها إلى السجنِ عشرَ سنوات، تستهدفُ خاصةً حراكَ المدافعاتِ عن حقوقِ الإنسانِ ومجموعاتِهن المدنية والحقوقية والسياسية وتنزعُ عنهن كاملَ حقوقِهن في حريةِ التعبيرِ والمشاركةِ الفعالةِ في المجالِ العام. وفى ظلِّ ثقافةٍ أبويةٍ مهيمنةٍ، فإنَّ عقوباتِ السجنِ لفتراتٍ طويلةٍ تعَّدُ وسيلةَ قمعٍ وترهيبٍ للعائلاتِ ومجتمعاتِ المدافعاتِ، مما يحدُ من قدرةِ كثيرٍ منَ النساء على المشاركةِ في الحراكِ الحاصلِ، وخصوصاً الطالباتِ اللاتي يشكلنَ الجزءَ الأكبرَ من الوجودِ النسائي في الشارعِ في السودان.
هذه العقوباتُ التعسفيةُ لفتراتٍ طويلة، والتي تتم عبرَ محاكمِ طوارئ إجرائية، هى آليةُ تمييزٍ بحقِ المدافعاتِ عن حقوقِ الإنسانِ يستخدمُها النظامُ بشكلٍ فعالٍ لتضييقِ الخناقِ عليهن . وفي ذاتِ النطاقِ فإنَّ المحاكمَ الإجرائيةَ للطوارئ تقوم بتقريرِ عقوباتٍ مخالفةٍ للاتفاقياتِ الدوليةِ لحقوقِ الإنسان، بما فى ذلك عقوبةُ الجلد. كما أنَّ الاحكامَ المتسرعةَ وعدمَ منحِ المعتقلاتِ الوقتَ الكافيَ لتوكيلِ محامين أو الاجتماعِ بوكلائهن للدفاعِ عنهن، تؤدي إلى صدورِ عقوباتٍ متعسفة ومتشددة. آخرُها كان يوم 28 آذار/مارس حينَ حُكمَ على طالبتين بالسجنِ ستة أشهر، وعلى ثلاثٍ أخريات من القاصراتِ بالمراقبةِ الاجتماعيةِ لنفسِ المدة.
كما أنَّ ظروفَ الاعتقالِ والاحتجازِ لاإنسانيةٌ، ذلك أنَّ عملياتِ التحقيقِ تستغرقُ ساعاتٍ طويلة، وأحيانًا تستمرُ إلى أكثرَ منْ عشرِ ساعات. أضِفْ أنَّ عدةَ مدافعاتٍ عن حقوقِ الإنسانِ نشرنَ شهاداتٍ تتعلقُ بظروفِ الزنزاناتِ السيئة التي أدت إلى حالاتٍ مرضيةٍ. فتعرضت عشرٌ منهن على الأقلِ لحالاتِ تسممٍ غذائي. هذا بالإضافةِ إلى عدمِ مراعاةِ احتياجاتٍ طبيةٍ للمدافعاتِ اللاتي لديهن ربوٌ أو جاءُ السكري. ووثقَ التحالفُ الإقليمي استهدافَ المدافعاتِ بالعنفِ الجسدي، فتعرَّضت 11 مدافعة على الأقلِ للضربِ خلال اقتيادِهن لمراكزِ الإحتجازِ، وكذلك استُخدِمَ معهن العنفُ اللفظي.
خلالَ شهرِ آذار/مارس وحده اعتقلتِ السلطاتُ السودانيةُ أكثرَ من ستِ مدافعاتٍ عن حقوقِ الإنسان، من بينهن: د. نغم كمال، سلاف بلول، وليندا هاشم اللاتي أوقفنَ بظروفٍ غامضة، إذ لم تكن أيٌ منهنَ في تظاهرةٍ، ولم تُعرَضْ أيٌ منهن لمحاكمةٍ بعد. وحكمَ قاضي محكمةِ طوارئ في الخرطوم على تسعِ متظاهراتٍ معتقلاتٍ بالجلد. وبعد استئنافِ الحكم، تراجعَ عن قراره وأطلقَهن.
تستمرُ الحكومةُ السودانيةُ في التضييقِ على المدافعاتِ عن حقوقِ الإنسان وعرقلةِ عملهن في محاولةٍ لتقليصِ مشاركتِهن في المجالِ العام. ففي 1 نيسان/أبريل، اعتقلَ جهازُ الأمنِ والمخابراتِ الوطني السودانيةَ المدافعةَ عن حقوقِ الإنسان د. إيمان محمود من منزِلها، وهي مِن فريقِ الإنقاذِ والعلاجِ في التظاهراتِ السلمية، ولها تاريخٌ حافلٌ في العملِ التطوعي والخيري والتحقت بعدةِ منظماتٍ خيرية وعملت في مخيماتِ النازحينَ في كوستي لعامٍ كامل وكما في الدمازين.
وفي 6 نيسان/أبريل، وخلال التظاهرةِ المليونية، اعتقلتِ الأجهزةُ الأمنية عشراتِ المتظاهراتِ (وتشيرُ التقاريرُ إلى أنهن أكثر من 50 مدافعةً عن حقوقِ الإنسان) والمدافعاتِ عن حقوقِ الإنسان، ونُقلنَ إلى سجن أم درمان النسائي. إلا أنه نظراً إلى العددِ المرتفعِ واستمرار الاحتجاجاتِ دونَ انقطاعٍ حتى اللحظة، أُفرِجَ عنهنَ في اليوم التالي.
وقُتِلت المتظاهرةُ والناشطةُ السلمية بدرية إسحاق في معسكرِ خمسة بولايةِ وسطِ دارفور ضحيةَ الرصاصِ الحيِ الذي أطلقتهُ الأجهزةُ الأمنية.
وفي اليوم نفسه، اعتقلَ جهازُ الأمنِ والمخابراتِ الوطني السوداني الصحافياتِ والمدافعاتِ عن حقوق الإنسان: سارة ضيف الله، وعائشة السماني ولينا يعقوب من أمامِ المركزِ الثقافي البريطاني.
على الرغم من المخاطر، لا تزالُ المدافعاتُ عن حقوقِ الإنسان ينخرطنَ في الاحتجاجاتِ ويلعبنَ دورَهن الحيوي والأساسي، كاسراتٍ للقيود ومتخطياتٍ التهديدات. في كلِّ أنحاءِ السودانِ تنظُم المدافعاتُ أنفسهنَ بطرقٍ مختلفةٍ ومبتكرةٍ لمقاومةِ سياقٍ عدائي وأبوي معادٍ لهن.
إنَّ التحالفَ الإقليميَ للمدافعاتِ عن حقوقِ الإنسانِ في الشرقِ الأوسطِ وشمالِ أفريقيا:
- يتضامنُ مع المدافعاتِ عن حقوقِ الإنسانِ في كلِّ أنحاءِ السودان؛
- ويدينُ الانتهاكاتِ والاعتداءاتِ المرتكبةِ ضدهن وبحقهن؛
- ويطالبُ الحكومةَ السودانيةَ بالإفراجِ الفوري عن كلِّ المدافعاتِ عن حقوقِ الإنسانِ وإسقاطِ التهمِ الموجهة إليهن بموجبِ محاكمات الطوارئ؛
- وإنهاءِ الاستهدافِ الوحشيِ للمدافعاتِ عن حقوقِ الإنسانِ في مختلفِ مجالاتِ العملِ والنشاط.
على الحكومةِ السودانيةِ احترامُ حقوقِ ودورِ المدافعاتِ عن حقوقِ الإنسانِ والنساءِ، وذلك وفقاً لآلياتِ حقوقِ الإنسانِ الدوليةِ والأفريقية مثل الميثاقِ الأفريقي لحقوقِ الإنسان والشعوب، والذي يطلبُ من الدولِ التي صادقت عليه ضمانَ الحمايةِ المتساوية (المادة 3) واحترامَ حقوقِ الإنسانِ والسلامةِ الشخصية (المادة 4) واحترامَ كرامةِ الإنسان (المادة 5) والحمايةَ من التعذيبِ والمعاملةِ والقسوةِ واللاإنسانية والمهينةِ (المادة 5) لجميع الناس.
وقع السودانُ على البروتوكولِ الملحقِ بالميثاقِ الأفريقي لحقوقِ الإنسانِ والشعوبِ بشأنِ حقوقِ المرأة في أفريقيا (بروتوكول مابوتو) في 30 حزيران/يونيو 2008 ولم يصادق عليه. وتلتزم الدولُ الأطراف في بروتوكول مابوتو مكافحةَ جميعَ أشكالِ التمييز ضد المرأة من خلالِ التدابيرِ التشريعيةِ والمؤسسية وغيرها من التدابيرِ المناسبة.
استناداً إلى بروتوكول مابوتو، نشجعُ حكومةَ السودان على:
– إنهاءِ جميعِ أشكالِ الاضطهادِ للمدافعاتِ عن حقوق الإنسان؛
– اتخاذِ تدابيرَ فعالة لإنهاءِ شرعيةِ العنفِ ضدهن؛
– إنشاءِ آلياتٍ لحمايةِ المدافعاتِ عن حقوقِ الإنسانِ في السودان.