السعودية: مدافعاتٌ عن حقوقِ الإنسانِ متهماتٌ بـ”الخيانة”
21/5/2018
اعتقلتِ السلطاُت السعوديةُ منذ 15 أيار/مايو 2018 ما لا يقل عن سبعة مدافعاتٍ عن حقوقِ الإنسانِ عَمِلنَ بشكلٍ بارزٍ على استردادِ حقِ النساِء بالقيادة، وذلكَ بعدَ أسابيعٍ فقط من رفعِ الحظرِ عن القيادةِ المفروضِ على النساءِ منذ فترةٍ طويلة. وتمَّ تحديدُ هوياتِ سبع مدافعاتٍ هن: إيمان النفجان ولُجين الهذلول وعزيزة اليوسف وعائشة المانع وحصة الشيخ وولاء آل شُبر ومديحة العجروش اللواتي ألقت القوى الأمنيةُ القبضَ عليهنَ مِنْ دونِ أمِر اعتقاٍل ومُنع بعضهن مِنَ التواصلِ مع عائلاتهَن.
كما اعتقلت السلطات السعودية الدكتورة عائشة المانع واطلقت سراحها في 23 أيار/مايو 2018. ومن بعدها أفرجت عن حصة الشيخ، ولاء آل شُبر ومديحة العجروش. ما زالت السلطات تحتجز لجين الهذلول بمعزل عن العالم الخارجي، وايمان النفجان وعزيزة اليوسف.
وكانتِ السلطاتُ السعوديةُ أقرَّت بعد صمتٍ استمرَّ أكثرَ من 24 ساعةٍ باعتقالِ جهازِ أمنِ الدولةِ للمدافعاتِ عن حقوقِ الإنسان، وذلكَ في بيانٍ رسمي صدرَ عن “المتحدثِ الأمني لرئاسةِ أمنِ الدولة“، قالَ فيه “إنَّ “الجهةَ المختصةَ رصدَت نشاطاً منسقاً” لمجموعةٍ من الأشخاصِ “قاموا من خلالِه بعملٍ منظمٍ للتجاوزِ على الثوابتِ الدينيةِ والوطنية”. واتهمَ البيانُ المعتقلاتِ “بالتواصلِ المشبوهِ مع جهاتٍ خارجيةٍ فيما يدعمُ أنشطتهم”، كما اتهمهنَّ “بتجنيدِ أشخاصٍ يعملونَ بمواقعَ حكوميةٍ حساسة”.
رافقَ الاعتقالاتٍ حملةُ تشهيرٍ علنيةٍ من قِبلَ السلطاتِ السعوديةِ ووسائلِ الإعلامِ الحكوميةِ لتقويضِ عمل ِالمدافعاتِ عن حقوقِ الإنسان، فنُشرت صورُهن على وسائلِ التواصلِ الاجتماعي والصحف مع وصفهِن بالـ”الخونة”. وبظهورِ الحساباتِ الوهميةِ على “تويتر”، والتي تجاوزت الـ 500 حسابٍ ونشرَت صورَهن بطبعِ كلمةِ “خونة” حمراءَ على وجوههنَ واعتبارِهن “خونةَ الأمة”. وإلى الهجمةِ الذكوريةِ الشرسةِ واستخدامِ عباراتٍ تدلُ على كراهيةِ النساءِ والتقليلِ من أهميةِ وجودِهن في المجالِ العام، محاولةٌ لمحوِ عملِ المدافعاتِ عن حقوقِ الإنساِن عامةً تجاوزت مدتها العشرَ سنين مِنَ النضالِ لأجلِ حياةٍ أفضلَ للنساءِ وللمجتمعِ السعودي عامةً.
إن المدافعاتِ السعودياتِ الموقوفاتِ لسنَ خونةً، ولم يطمحْنَ إلا إلى استردادِ حقوقِ النساِء المُغيبةِ في السعودية. إنَّ عملهَن الحقوقيَ والنسويَ خدَمَ النساءَ والمجتمع السعوديَ والعالمَ العربيَ أكثرَ من “الإصلاحاتِ الوهمية”، وأعادَ التأكيدَ على نضالاتِ المدافعاتِ في السعودية.
وإيمان النفجان معروفةٌ بتفانيها في الدفاعِ عن حقوقِ الإنسانِ، وهي أيضاً من أبرزِ الناشطاتِ في حملةِ “من أجلِ الحقِ في القيادة” واختارتهْا مجلة “فورين بوليسي” الأميركية ضمنَ قائمةِ المفكرينَ العالميينَ لعام 2011. اعتقلتْها الشرطةُ في أكتوبر/تشرين الأول 2013 لمجردِ تسجيلها فيديو لامرأةٍ خرقتْ حظرَ القيادةِ.
وعزيزة اليوسف بدورها مدافعةٌ رائدةٌ في الحملةِ من أجلِ الحقِ في القيادةِ وإنهاءِ نظامِ ولايةِ الرجلِ التمييزيةِ في السعوديةِ إذ قادَت حملةً لرفعِ وصايةِ الرجلِ على المرأةِ وقدَّمت عريضةً في هذا الشأن إلى الملكِ سلمان بن عبد العزيز حملَت أكثر من 14700 توقيعٍ. وشاركَت المدافعتان إيمان وعزيزة النساءَ في تحدي حظرِ القيادةِ في الرياض عام 2013، وتعرضتا في السابقِ للمضايقةِ والاستجوابِ على خلفيةِ عملهما في مجالِ حقوقِ الإنسانِ والنشاطِ من أجلِ حقوقِ المرأةِ في السعودية.
ولجين الهذلول من أبرزِ المدافعاتِ عن حقوقِ الإنسان وقد استُهدِفت بمضايقاتٍ من قبِلِ السلطاتِ. ففي عام 2014 اعتُقلت 73 يوماً بسبب قيادتِها سيارتًها في تحدٍ مُحقٍ لمنعِ المملكةِ قيادةَ النساءِ للسيارات، وهي حاولتِ دخولَ المملكةِ من الحدودِ المشتركةِ مع دواةِ الإماراتِ العربيةِ المتحدةِ برفقةِ الصحفيةِ ميساء العمودي. وفي عام 2015 صدرَ قرارٌ بمنعِها من دخولِ دولةِ الإمارات. وفي يونيو/حزيران 2017 اعتقلتها السلطاتُ للمرةِ الثانيةِ من دونِ توجيهِ تهمٍ لها، وكان ذلك في مطارِ الدمام. ولجين هي أولُ امرأةٍ طلبتِ الترشحَ للانتخاباتِ السعوديةِ المحليةِ عام 2015، مع أنَّ السلطاتِ لم تقم بإيرادِ اسمِها على قائمةِ المرشحين. غير أن اسمَها ذُكرَ كإحدى أقوى النساءِ العربياتِ تحت سنِ الأربعين على قائمة مجلةِ “آريبيان بزنس” عام 2015. ِ
وعائشة المانع مدافعةٌ شرسةٌ عن حقوقِ الإنسان نشطَت في حراكاتٍ عدة منذ عام 1990 حتى اليوم وهي مِنْ أبرزِ الناشطاتِ في حملةِ حقِ المرأةِ في القيادةِ، إذ شاركت في أولِ حركةِ احتجاجٍ نسائيةٍ من أجلِ الحقِ في القيادةِ عام 1990، حين أوقفت 50 امرأة وصودرت جوازاتُ سفرِهن وحُرمنَ من وظائفهن.
مديحة العجروش وحصة الشيخ وولاء آل شبر هم أيضا رائدات في حملة حق المرأة في القيادة ومن الداعمات لحقوق المرأة في السعودية. وهم عملن في العقد الماضي للتاكيد على ضرورة وجود المدافعات عن حقوق الانسان في المجال العام.
وتأتي هذه الاعتقالاتُ للمدافعاتِ اللواتي برزْنَ في مجالِ الدفاعِ عن حقِ النساءِ في القيادة بعدَ ستةِ أسابيعَ فقط من رفعِ السعوديةِ الحظَر الوحيدَ في العالمَ على قيادةَ النساء. ويُذكرُ أنه عندما أصدرتِ السعوديةُ مرسومَها الملكيَ العامَ الماضي بإعلانِ السماحِ للنساءِ بالقيادة في عام 2018، اتصلَ الديوانُ الملكِي بالمدافعاتِ عن حقوق الإنسانِ وحذرهن من إجراءِ مقابلاتٍ مع وسائلِ الإعلامِ أو التحدث ِعلى وسائلِ التواصلِ الاجتماعي.
كما تأتي الاعتقالاتٌ مناقضةً لمحاولةِ الإصلاحاتِ التي يقومُ بها وليُّ العهدِ محمد بن سلمان الذي يحاولُ إظهارَ صورةٍ أكثرَ “تقدمية” للسعودية. فإصلاحاتُه ترافقُ أيضاً حملةَ قمعٍ للمدافعاتِ عن حقوقِ الإنسانِ اللواتي اعتُقلن لتجنبِ الاعترافِ بعملهنَ وطمسِ نجاحهنَ بَدلَ مكافئتهن من مجتمعهن. فالاعترافُ بعملِ النساء، وتحديدًا المدافعاتِ، أمرٌ محظورٌ في ظلِ القمعِ الممنهجِ ويعاكسُ الاستراتيجيةَ السعوديةَ في تحسينِ صورتِها دولياً. فكيفَ يترافقُ الإصلاحُ مع استمرارِ القمعِ للمدافعاتِ عن حقوقِ الإنسانِ وملاحقتهن ومضايقتهن؟ وكيف تفوزُ السعوديةُ بمقعدٍ في لجنةِ الأممِ المتحدةِ المعنيةِ بوضع المرأةِ وهناك مدافعات وراءَ القضبانِ متهماتٍ بـ “الخيانةِ” لمجردِ مطالبتهنَ باستردادِ حقوقِ النساءِ وحمايةِ حقوقِ الإنسانِ في المجتمعِ السعودي؟
إننا في “التحالفِ الإقليميِ للمدافعاتِ عن حقوقِ الإنسانِ في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا” نتضامنُ مع المدافعاتِ عن حقوقِ الإنسانِ في السعودية. كما نطالبُ السلطاتِ السعودية، وبشكل فوري بـ:
– الإفراجِ عن كلِ المدافعاتِ عن حقوق الإنسان وضماِن سلامتهنَ الجسديةِ والنفسيِة والتعهِد بعدمِ مضايقتهنَ بأيِ شكلٍ من الأشكال.
– الكشفِ عن تفاصيلِ التحقيقِ، بما في ذلكَ الأسسُ التي وُجهت بموجبها الُتهمُ للمدافعاتِ عن حقوقِ الإنسان.
– التوقف عن ملاحقةِ المدافعاتِ عن حقوقِ الإنسانِ والاعتراف بدورهنَ الأساسيِ في المجتمعِ السعودي، بما في ذلك نجاحُهن في استردادِ حقِ النساِء في القيادة.
كما نطالبُ المجتمعَ الدوليَ والاقليمي:
- بالضغط على المجلسِ الاقتصاديِ والاجتماعي للأممِ المتحدِة لتعليقِ عضويةِ السعوديةِ في لجنةِ الأممِ المتحدةِ المعنيةِ بوضعِ المرأة. فدوُر اللجنةِ هو تعزيزُ المرأةِ وتمكينها، وتجتمعُ اللجنةُ لتقييمِ التقدمِ في البلاِد وصياغةِ السياساتِ لتعزيزِ النهوضِ بالمرأة، ولكنه يبدو من الاعتقالاتِ والملاحقاتِ المكثفةِ للمدافعات، أنه لن تتمكن السعوديةُ إلا من صياغةِ سياساتٍ قمعيةٍ لدورِ المرأةِ والمدافعات.
- بالضغط على الجمعية العامة للامم المتحدة لتعليق عضوية السعودية في مجلس حقوق الإنسان فقرارُ الجمعيةِ العموميةِ للأممِ المتحدةِ الرقم 60/251 الذي أُنشأَ بموجبه مجلس حقوقِ الإنسانِ ينص على أنه: “…. يجوزُ للجمعيـةِ العموميةِ أن تقـررَ، بأغلبيـِة ثلثـي الأعـضاِء الحاضـرينَ والمـشتركينَ في التــصويتِ، تعليـقَ حقـوقِ عـضويةِ المجلـسِ الــتي يتمتـعُ بها أيٌ مــن أعـضائه إذا مـا ارتكـبَ انتهاكاتٍ جسيمةً ومنهجيةً لحقوق الإنسان”. إن اعتقالَ المدافعاتِ عن حقوقِ الإنسانِ بهذا الشكل، وتوجيهَ تهمِ خطيرةٍ لهن من دونِ أي أسسٍ قانونية، وملاحقتَهن قانونيًا وتهديدَهن بكافةِ الطرق، بما في ذلكَ منعُهن منَ السفرِ، انتهاكٌ جسيمٌ ومنهجيٌ لحقوقِ الإنسان.
- – باعتبار هذه الاعتقالات ممارسة لأعمال الترهيبة والسياسة الانتقامية من المدافعات اللواتي قد سبقن وتعاونن مع الإجراءات الخاصة وهيئات الأمم المتحدة.
منَ الضروري المطالبةُ بتعليقِ عضويةِ السعوديةِ في الهيئتين المذكورتين، لأن السلطاتِ السعوديةَ توظفُ عضويَتها لتحصينِ نفسِها من النقِد وإضفاءِ شرعيةٍ على انتهاكاتِها الممنهجة لحقوق الإنسان واعتقالِها للمدافعات. هناك ضرورة لمحاسبة السعوديةِ على حملتِها القمعيةِ ضد المدافعاتِ عن حقوق الإنسان. ولذلك نطلب منكم/ن توقيع هذه العريضة.
مستجدات:
- في 23 أيار، افرجت السلطات عن د. عائشة المانع.
- في اليوم التالي، افرجت السلطات عن د. حصة الشيخ وولاء آل شبر ومديحة العجروش.
- في 31 أيار، تبنى البرلمان الأوروبي قرارًا يدين القمع المتواصل للمدافعين وللمدافعات عن حقوق الإنسان في السعودية معتبرًا ذلك “تفويضًا لمصداقية عملية الإصلاح في البلاد”. ودعا البيان السلطات السعودية إلى وضع حد لجميع أشكال ومستويات المضايقة، بما في ذلك المستوى القضائي، للمدافعين عن حقوق الإنسان بما في ذلك المدافعات إيمان النفجان وعزيزة اليوسف ولجين الهذلول مطالبًا بالإفراج الفوري وغير المشروط عنهن. للاطلاع على القرار، يرجى زيارة هذه الصفحة.