سنة 2022| انطلاقةٌ مختلفةُ للتحالفِ وخطرٌ محدِقٌ بالمدافعات في المنطقة

بيانٌ من التحالفِ الإقليمي للمدافعاتِ عن حقوق الإنسان

منذ تأسيسِ التحالفِ الإقليمي للمدافعاتِ عن حقوقِ الإنسان في الشرقِ الأوسط وشمال أفريقيا عام 2015، شهدَت منطقتُنا تغيّراتٍ حادّة، وتشكلَّت فيها موجةٌ مضادةٌ للحركاتِ الشعبية التي بدأت في تونس وأضْحَت تنتشر في المنطقة منذ العام 2011 توقاً إلى الحرّية والديمقراطية وحُسنِ الحَوْكمةِ وإدارةِ المواردِ والعدالة وغيرها.  قررنا التأسيسَ لمواجهةِ ما كانَ قادما مع أن الانتهاكات كانت قد بدأت بالفعل في كل دول التي شهدت ثورات،  وذلك إيماناً بالوسيلةِ النسَوية التي نعرف، أن نبنيَ تحالفاً بين مدافعاتِ المنطقة وأن نجعلَه جسراً للعملِ الجماعي النسَوي، أن يكون فضاءً نتعلّمُ منه ونؤثّر فيه، وأن يكونَ للتحالف منارةً مُضاءَةً لمَن تضيق بها لسُبل.

 عملَ التحالفُ منذ 2015 من بيروت حيثُ كانت الرقعةَ الأخيرةَ للتصدي لموجةِ القمعِ التي بدأت ضد المجتمعِ المدني والأهلي والحركاتِ السياسية والاجتماعية والنسوية التي كانت تنتظِمُ وتواجهُ عودةَ أنظمة القمع والاستبداد. كانت بيروت مكاناً سمحَ لنا بإقامة لقاءاتٍ آمنة قدرَ الإمكان، ومدينةً مستقرةً نسبياً ليعملَ فيها فريقُ العمل. كما شاركنا معكن السنةَ الماضية ونحنُ نحتفلُ بمرورِ خمس سنوات على تأسيس التحالف، فقد استطاعَ التحالفُ الوصولَ إلى آلافِ الأشخاص والعملَ مع المئاتِ من المدافعاتِ في منطقتنا، وإقامةَ صلاتٍ قويةٍ ومتينة مع المدافعاتِ في منطقِة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أينما كنّ، سواء في العواصم أو القرى، سواء كأفرادٍ أو منظّماتٍ ومجموعاتٍ قاعِدية، على اختلافِ تنوعهن وقضاياهن التي يعملنَ عليها.  كانت الصّلاتُ والعلاقاتُ المحلية والإقليمية،  ولا تزالُ، البوصلةَ الأهمَ في عملِ التحالفِ الذي يتعلّمُ من الطرقِ المختلفةِ والمتنوعة والخلّاقة التي تسلكُها المدافعاتُ والنسويات للبقاءِ في مواجهةِ التشهيرِ والتأليبِ ضدهنّ والتهديدِ والموت أحياناً. وفي العام 2019، ومع الانهيارِ الاقتصادي في لبنان وانطلاقة ثورةِ السابع عشر من تشرين الأول في مواجهةِ أحدِ أكثرِ الأنظمةِ تعقيداً من حيث الطغيان والفساد، نظام زعماءِ الحرب اللبنانية؛ أصبحت بيروت غيرَ آمنةٍ لنا وعملِنا وللمدافعاتِ المقيمات فيها والزائرات، وأصبحت بيروت تشهدُ يومياً زياراتٍ لرجالِ الأمن لملاحقةِ الناشطين والناشطات والمدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان. وبناء عليه، اتخذت الجمعيةُ العموميةُ في التحالفِ قراراتٍ مصيرية، ومنها تسجيلُ التحالفِ الإقليمي في إسبانيا بصفةٍ قانونية كمؤسسةٍ أهلية، واستمرارُ فريقِ العملِ المنتشرِ في المنطقة في عملهن ومواصلةُ عملنا وتواجدنا في المنطقة كما دائماً.

في سنة 2021 عملَ التحالفُ على مواجهةِ الوباءِ والتغييراتِ السياسيةِ في منطقتنا، وأيضاً على التفكيرِ في هيكليةِ العملِ وفريق العمل والظروف التي يعملُ فيها وأي بيئة يوفّرُ التحالفُ للعاملات فيه ولعضواته، وكيف نفهمُ التصرّفاتِ السامة والمؤذية في التحالفِ على جميع المستويات وكيف نتعاملُ معها بنظرةٍ نسويةٍ وبخطواتٍ تؤدي إلى الشفاءِ وتحجيمِ الأذى. أعطينا الكثيرَ من الوقتِ للتفكيرِ في المسؤولياتِ التي يحملٌها مجلسُ الإدارة وتحديدِ احتياجاتِ التحالفِ من خبراتٍ ومواردَ بشرية تسمحُ لنا بالاستمرارِ بشكلٍ صحي في العملِ والاستجابةِ للمدافعاتِ في المنطقة اللواتي يواجهنَ الكثيرَ من الأخطارِ المحدّقة.

وبناءً عليه، ستكون 2022 بدايةً لانطلاقةٍ مختلفةٍ للتحالفِ إذ نبدأً بتطبيقِ استراتيجيةٍ جديدةٍ في العمل تشملُ  الاستمرارَ في القيامِ بحملاتِ مُناصرةٍ ودعمٍ، والتواصلِ مع الجهات المعنية الدولية والعالمية لحمايةِ المدافعاتِ من الانتهاكاتِ المستمرةِ وتوفيرِ الوصولِ إلى موارد الحماية والدعم، ولا يقتصرُ الأمرُ على ذلك، إذ سيقومُ التحالفُ بفتحِ العضويةِ أمامَ مزيدٍ من المدافعاتِ في المنطقةِ وتخصيصِ الجزءِ الأكبر من الأنشطةِ لعضوات التحالف. كما سيستمرُ التحالفُ في الاستثمارِ في دوائرِ التعليمِ وفتحِ مساحاتٍ خلّاقة وتقنية لتطويرِ المهاراتِ وتبادلِ المعرفةِ وإنتاجها بين المدافعاتِ في المنطقةِ بطرقٍ تشاركية وحرّة. كذلك يعطي التحالفُ هذه السنة أوليةً لدعمِ العملِ المحلي والدعوةِ إلى تشكيلِ شبكاتٍ محلية تضم عضواتنا وسواهن كسبيلٍ لتشجيعِ العملِ الجماعي والتنسيقِ المحلي في المنطقة. وبالتوازي سيعملُ التحالفُ مع العضواتِ ومجلسِ الإدارةِ الحالي على تطبيقِ النظامِ الداخلي المعدَّل لسنة 2020 وتمتينِ الهيكل الداخلي للتحالفِ بما يخدمُ طموحَ التحالفِ في الاستمرارِ ككيانٍ إقليمي نسويٍ مستقل في المنطقة.

 كل هذا يحصلُ ومنذ الأيام الأولى سنة 2022 تنمهرُ الرسائلُ على التحالفِ عما يجري في السودان جراءَ الانقلابِ العسكري، إذ لا تزالُ التظاهراتُ والإضراباتُ مستمرةً في وجهِ الرصاصِ الحي الذي يُطْلَقُ على المتظاهرين والمتظاهرات، وتتوالى شهاداتُ مدافعاتٍ من السودان عن وقائعَ تشهدُ على استخدامِ العنفِ الجنسي بحقِ المتظاهراتِ مِن قِبلِ قواتِ الجيش مِن دونِ فتحِ أي تحقيقٍ أو محاسبةٍ في الموضوع. وأبرزُ مثالٍ على ذلك اعتقالُ أميرة عثمان، القياديةُ في حركةِ ” لا لقهر النساء” في السودان، وإخفاؤها قسراً منذ 18 من كانون الثاني/يناير وعدمُ الإفصاحِ عن مكانها. كما توالت لدى التحالفِ أخبارٌ من المدافعاتِ في فلسطين عن قيامِ إسرائيل بمضايقةِ المدافعاتِ والناشطاتِ الفلسطينيات ووضعِهن  قيدَ الإقامةِ الجبريةِ عقاباً لهن عن الإفصاحِ عن سياساتِ إسرائيل التي تنتهكُ المواردَ الطبيعية، إلى تهديدِ عدة ناشطات مِن قبلِ “الشاباك” باعتقالهن أو التشهيرِ بهن أمام عائلاتِهن أو مجتمعِهن بهدفِ تشويهِ صورتهن، وذلك في في أوقحِ صورةٍ  للاستعمار الأبوي. لا تزال المدافعات السوريات في الداخل وفي المنافي تعملن من دون كلل لتقديم الدعم لبعضهن  البعض والضغط من اجل المفقودين والمفقودات والمسجونين والمسجونات من قبل نظام الأسد والجماعات المسلحة.

تبدو لنا سنةً مليئةً بالتحدياتٍ والتغيرات، وهناك حاجةٌ لمقاومةِ كل الجهودِ الراميةِ لإسكاتِ المدافعاتِ المنخرطات في مواجهة الطغاة، لكننا نؤمنُ بالحركاتِ النسوية التي نجحت برغمِ ويلات الماضي، والتي لا تزال تًزهِر فينا مدافعاتٍ قويات موجودات في وجه كل وأي طاغية.

Facebook
Twitter
LinkedIn