لماذا التعافي جزءٌ من النضالات؟
في السنواتِ الأخيرة، عملَ فريقُ التحالفِ على التأملِ في مفهومِ التعافي الذي كانَ يحيطُ بالكثيرِ من جوانبِ عملِنا، وقيَّمْنا الكثيرَ من الأدواتِ التي تعرَّفنا عليها في ما يتعلقُ بتعافي المدافعاتِ وصحّتِهن النفسيةِ والعاطفية. نفهمُ التعافيَ جزءاً أساسياً من الصحّةِ الشاملةِ والتي تؤثرُ ليس فقط على قدرةِ المدافعاتِ على متابعةِ العملِ والاستمرارِ به، بل أيضاً قدرتهنّ على اتخاذِ قراراتٍ مناسبةٍ ومدعّمةٍ بالمعرفةِ متعلّقةٍ بأمنهنّ وأمانهنّ والأخريات. سوف يعملُ التحالفُ على مدِّ المدافعاتِ في منطقتنا والعالم، بمحتوىً وأفكارٍ عن التعافي والعافيةِ مبنيةٍ على التجاربِ المختلفةِ والخبراتِ المتنوعةِ في هذا المجال، ومنَ المختصاتِ والمُختصين في مجالاتِ الصحّةِ النفسيةِ والعاطفيةِ والشفّاءات والشفّائين.
كما نعلمُ أنَّ وجودَ النساءِ في المجالِ العام ( خارجَ المنزل) في أي من القدراتِ لا يزالُ يُعرّضُهن للكثيرٍ من العُنفِ الرمزي أو الفعلي. يأتي هذا العُنفُ بسببِ كسرِ النساءِ الدائمِ للنظرةِ الأبويةِ لهنّ التي تحددُ لهنّ أدواراً وقيّماً ومنازلَ إجتماعية لا يجدرُ يهنّ تخطيها، ولكنّهن يفعلنَ ذلك مع كُلِّ إشراقةِ شمسٍ في العالمِ أجمع، وليسَ فقط في منطقتِنا. يعرّضُهن ذلك للعنفِ لعدّةِ أسباب، أهمُها هو أبويةُ الدولةِ والتمييزِ القانوني الموجود والذي يُعززُ من قدرةِ الرجالِ بشكلٍ خاصٍ على تعنيفِ النساءِ وذلك بسببِ غيابِ أي من القوانين التي تحمي النساءَ وتعترفُ بالعنفِ الواقعِ ضدهن لأنهن نساء. إن إصرارَ الحكوماتِ على عدمِ جعلِ المساواةِ الجندريةِ أمراً ينصُ ويعترفُ به القانون بجميعِ مواده، هو إصرارٌ على عدم ِ حمايةِ النساءِ ودليلٌ على أن الأبويةَ والذكوريةَ دافعان أساسيان وراءَ الكثيرِ من القوانينِ والإجراءاتِ التي تحكمُنا. إذاً تعملُ المدافعاتُ عن حقوقِ الإنسانِ في الشرقِ الأوسطِ وشمالِ أفريقيا ضمنَ هذا السياق، ووجودُهنّ في المجالِ العامِ متعددُ الأبعاد، فهو يعرّضُهن للعنفِ لأنهن نساء، وأيضاً لكونهن نساءً يتواجهنَ مع مؤسساتٍ حكوميةٍ في مجالٍ لا تُحبذُه الدولة وهو حقوقُ الإنسان.
انطلاقاً من هذه الخلفيةِ تتعاملُ المدافعاتُ مع الانتهاكاتِ التي يتعرضنَ لها من قِبلِ الدولةِ أو الميليشياتِ والتي قد تكونُ مهدِدةً على مستوى السلامةِ الجسديةِ وتتسببُ لهن بأذى جسدي جسيم في أحيانٍ كثيرة، وخصوصاً التعذيب الممارَس ضدهن في السجونِ والمُعتقلاتِ وما يرافقُه من آثارٍ نفسيةٍ وعاطفيةٍ. وأيضاً تتعاملُ المدافعاتُ مع النبذِ المجتمعي والتنمرِ والتشهيرِ بإستمرارٍ وبشكلٍ مزمنٍ من قبلِ الأجهزةِ الأمنيةِ أو من قبلِ تياراتٍ سياسيةٍ وناشطين لا يتفقون معهن.
المدافعاتُ عن حقوقِ الإنسانِ يعملنَ في مجالاتٍ خاصةٍ بحقوقِ الانسانِ تتطلبُ منهن تقديمَ الخدماتِ ذاتِ الطابعِ الصحي أو القانوني أو الاجتماعي، الأمرُ الذي قد يتخللُه عملٌ مباشرٌ مع ناجياتٍ من العنفِ أو التعذيب، أو يعملنَ في مجالِ إنتاجِ المعرفة والعملِ النقابي، إلى مجالاتِ التوثيقِ للانتهاكاتِ والحوادثِ الأمنية التي تتعرضُ لها فئةٌ من الأشخاصِ، وفيها يستمعنَ ويتعاملنّ مع قصصٍ ذاتِ طابعٍ عنيفٍ وموادٍ بصريةٍ وسمعيةٍ حادّة المحتوى. كل ذلك يتطلبُ منهن طاقاتٍ كبيرة للاستمرارِ في عملهن، بالإضافةِ إلى الصدماتِ الجسيمةِ التي تتطلبُ منهن إعادةَ شحنِ طاقاتِهنّ العاطفيةِ والنفسية. وهو (أي الشحن) الجزءُ الأكثرً إهمالاً والأكثر مسبباً للضررِ في ما بعد، ويدفعُ المدافعاتِ إلى اليأسِ والاحتراقِ الذاتي وإبعادِهن عن الحركاتِ الاجتماعيةِ التي ينتمين إليها.
بسببِ كُل ما تقدَّم، يعملُ التحالفُ على وضعِ مقاربةٍ شاملةٍ ومتكاملةٍ من التعافي والسلامة، بما يتضمنُ من تركيزٍ محوري على التعافي والرعايةِ الذاتيةِ للمدافعاتِ كجزءٍ لا يتجزأ من نضالِهن وأمنهنّ من خلالِ دمجِه في كُل جوانبِ عملنا. إنّ التعافيَ والسلامةَ يشكلان عنصرين أساسيين من الأمنِ والحماية، ويتطلبُ تحقيقُ ذلك قراءةً متأنية للسياقاتِ التي تعملُ فيها المدافعاتُ في المنطقةِ وتعرِّضُهن للعنفِ الأبوي في كلٍ من المجالين الخاص والعام كعقابٍ لعملهِن وهويتِهنّ الجنسيةِ والجندرية؛ وكذلك فهمُ آثارِ الاحتراقِ الذاتي على المدافعاتِ وصحتِهن وكذلك منظّماتِهن وحركاتِهن الاجتماعيةِ وسلامةِ البيئة التي يعملنّ فيها؛ إذ أنّ الجهدَ والاحتراقَ الذاتي يؤدي إلى إبعادِ المدافعاتِ عن عملِهن وعزلِهن عن حركاتهِن أو إلى عدمِ قدرةِ المدافعاتِ على الاستمرارِ بعملِهن وعدمِ وجودِ أي فرصةٍ لهن لإعادةِ شحنِ طاقاتِهن.
هناك عدة تحدياتٍ تمنعُ المدافعاتِ من التعافي والاعتناءِ بذاتِهن، ومنها الظروفُ الصعبةُ التي تمرُ بها المنطقة وتجاهلُ السلامةِ الشخصيةِ بسببِ الشعورِ بالذنبِ والإقصاءِ أو التهميشِ الذي تتعرضُ له المدافعاتُ بسببِ عملِهن أو القضايا التي يعملن عليها أو الحقوق التي يدافعن عنها، وكذلك أيضاً محدودية المواردِ والأدوات التي قد تساعدُ المدافعاتِ في ممارسةِ التعافي بشكلٍ مستدام. غير أن التحديَ الأكبرَ لغيابِ القدرةِ على التعافي، يبقى في كونِه سؤالاً يتعلقُ بالبيئةِ التي تنشطُ فيها المدافعة، واحتمالِ تواجدِ مساحةٍ للحديثِ عن العواطفِ وما تمّت تسويتُه بسببِ عملِ المدافعةِ ووجودِ خطواتٍ تستطيعُ المدافعةُ الارتكازَ عليها.
ويرى التحالفُ أن التعافيَ والرعايةَ الذاتيةَ ممارساتٍ نسوية في صلبِ نضالِ المدافعات؛ وتعالجُ هذه الممارساتُ الأبعاد
المختلفةَ للتحديات، أي العنفَ المزدوج الذي تتعرضُ له المدافعاتُ بسببِ عملِهن وجندرهن. وتجاربُ المدافعاتِ والعنفِ الذي يختبرنه وأثرَه عليهن، وتكونُ هذه الممارسات، على اختلافِها وتنوعِها بحسبِ الحاجةِ وقدرةِ المدافعات، بمثابةِ فرصةٍ لحمايةِ أنفسِهن من الاستنزافِ والاحتراقِ الذاتي؛ وهذا لا يعني بالضرورة أن التعافيَ هو مسؤوليةٌ فرديةٌ حصراً، بل هي أيضاً مسؤوليةٌ جماعيةٌ لضمانِ استمرارِ العملِ وتحقيقِ أهدافٍ ورؤيةِ الحركاتِ الاجتماعيةِ عبر ضمانِ عدم ِ استنزافِ طاقاتِ وقوةِ المدافعاتِ اللواتي يشكلنَ هذه الحركات، وبالتالي احتمالِ خسارتِهن.
ولذلك يعتنقُ التحالفُ التعافيَ كجزءٍ حاسمٍ واستراتيجي من العملِ الذي يقومُ به، والرعايةُ الجماعيةُ تتطلبُ الدعمَ والمساعدةَ في منعِ الإحتراقِ الذاتي للمدافعاتِ من أجلِ دعمِ استدامةِ حركتِهن في المنطقةِ وبناءِ القوةِ اللازمةِ لتحقيقِ أهدافهن. كما يرى التحالفُ أنّ التعافيَ يصبحُ أكثر قابلية للتحقيقِ عندما يكونُ هناك إطارٌ داعمٌ لذلك على صعيدٍ فردي وجماعي، وكذلك عندَ النظر إلى التعافي كجزءٍ من الرؤيةِ الخاصةِ بالمدافعاتِ وعملهن.
وانطلاقاً من مبدأ المسؤوليةِ والرعايةِ الجماعية، سينشرُ التحالف في هذه الصفحةِ أدواتٍ ومعلوماتٍ ومواردَ تتعلقُ بالتعافي والرعايةِ الذاتية، بالإضافةِ إلى العملِ مع عضواتِ التحالفِ بشكل مباشر، والحرصِ على تفكيكِ الرعايةِ الذاتيةِ واستعادتِها من كونها سلعةً للسعادةِ وإعادةِ اكتشافِها كممارسةٍ سياسيةٍ تهدفُ الى فحصِ العنفِ تجاه النساءِ والأشخاصِ اللا معيارية، وكيف تتم تذويتُه.
لمزيدٍ من المحتوى عن طبيعةِ عملِ المدافعاتِ وسياقه، يرجى الاطلاع على الروابط التالية: