العامُ الأسوأ بالنسبةِ إلى المُدافعاتِ في المنطقة

العامُ الأسوأ بالنسبةِ إلى المُدافعاتِ في المنطقة

تعيشُ المدافعاتُ عن حقوقِ الإنسان في الشرقِ الأوسطِ وشمال أفريقيا مخاطرَ دائمةً تستهدفُ حياتَهن وسلامتَهن، من التهديداتِ والتجريمِ والاعتداءاتِ والانتهاكاتِ المختلفةِ على أشكالِها. إلا أنه في العام ِالمنصرمِ قابلتِ المدافعاتُ تحدياتٍ غير مسبوقة في جميعِ أنحاءِ المنطقةِ، وذلك في سياقِ الردِ القاسي من الأنظمةِ الحاليةِ على حركاتِ الإحتجاجِ الجماهيريةِ التي تعمُّ المنطقة. 

ففي مصر، وعلى مدارِ الأيامِ الاثني عشر الماضية (تشرين الثاني/نوفمبر 2019)، شنت السلطاتُ المصريةُ أكبر حملةِ قمعٍ في ظلِّ حكمِ الرئيسِ عبد الفتاح السيسي، فاعتُقلَ أكثر من 2300 شخص. وقد قامت السلطاتُ بعملياتِ اعتقالٍ واسعةٍ لمئاتٍ من المحتجين السلميين، كما قامت بالمزيدِ من عملياتِ الاعتقالاتِ التعسفيةِ المستهَدفةِ للمُدافعاتِ عن حقوقِ الإنسانِ ومحامياتٍ حقوقياتٍ وصحافياتٍ وناشطاتٍ نسوياتٍ كأسماء دعبيس، التي أفرج عنها في ١٠ ديسمبر ٢٠١٩ بعد اعتقال دام لأشهر.. وكذلك سُجلت مضايقاتٌ مختلفةٌ لمنظماتٍ حقوقيةٍ وأهليةٍ مختلفةٍ كمركز النديم، إذ تكررَ الاستدعاءُ غير الرسمي مرتين للدكتورةِ عايدة سيف الدولة، وهي مِن مؤسسي مركز النديم في عام 1993. وتمَّ اقتحامُ مركزِ موقعِ “مدى” الإخباري واحتُجزَ أفرادُ طاقمِه واعتُقلت مديرتُه لينا عطالله مع زملاء آخرين لمدةِ ساعاتٍ قبل الإفراج عنّهم. ولا تزالُ استشاريةُ التحالفِ الأستاذةُ مزن حسن ممنوعةً من التصرفِ بأموالِها ومن السفر، ومعها الأستاذةُ عزة سليمان، عضو اللجنةِ التنفيذيةِ في التحالف.

وفي السعوديةِ ما زالت المدافعاتُ عن حقوقِ الإنسانِ خلفَ القضبان منذ عام 2018، بالرغمِ من الإفراجِ المؤقتِ والمشروطِ عن بعضٍ منهن. وما زالت السلطاتُ السعوديةُ تنفي تعريضَهن لأي تعذيب، لا بل أنها طلبت من المدافعةِ عن حقوقِ الإنسان لجين الهذلول بأن تُنكِرَ التعذيبَ الذي تعرضت له في مقابلِ الإفراجِ عنها، بحسبِ ما كشفته أسرتُها على حسابِها في تويتر. وفي 23 أيلول/سبتمبر، أثناء الجلسة الـ 42 لمجلسٍ حقوق الإنسان، قدَّمت أستراليا بياناً مشتركاً بالنيابةِ عن 23 دولة في الأممِ المتحدةِ تثيرُ فيه المخاوفَ حولَ ملاحقةِ النشطاءِ وتخويفهم، وممارسةِ الإخفاءِ القسري والاعتقالِ التعسفي.  وثمة تقارير عن التعذيبِ والمحاكماتِ غير العادلةِ وحالاتِ الإعدامِ خارجِ إطار القضاء. بالإضافةِ إلى ذلك، نادى البيانُ بوضعٍ حدٍ للإفلاتِ من العقوبةِ في ما يتعلقُ بقتل الصحافي جمال خاشقجي وسلَّطَ الضوءَ على الحاجةِ لتحقيقِ المحاسبةِ والكشفٍ عن الحقيقة. ويا للأسفِ، قرر عددٌ من الدولِ كفرنسا التي انضمت إلى بيان آذار/مارس 2019، سحبَ دعمِها من هذه الدعوةِ الملحة.

وفي السودان ما زالت المدافعاتُ عن حقوقِ الإنسانِ يتعاملنَ مع آثارِ وصدماتِ العنفِ الذي تعرضت له النساءُ أثناء فضِّ الاعتصامِ أمامَ القيادةِ العامة في حزيران/يونيو 2019، وما زلنَ يطالبنَ بالعدالةِ للناجياتِ من كافةِ أشكالِ العنف، خاصةً في خلالِ هذه المرحلةِ الانتقاليةِ والمفصليةِ في السودان. في 23 أيول/سبتمبر 2019  أصدرَ رئيسُ الوزراء عبدالله حمدوك قراراً بإنشاءِ لجنةٍ وطنيةٍ لتقصي حقائقِ الانتهاكاتِ في مذبحة 3 حزيؤان/ يونيو. وفي اليوم نفسه، هاجمت عناصرٌ من الدعمِ السريع (الجنجويد) طلاباً وطالبات خرجوا/ن إلى الشوارعِ في جنوبِ دارفور للاحتجاجِ على ارتفاعِ سعرِ الخبز والوقود. وفي 28 أيلول/سبتمبر 2019، اعتمد مجلسُ حقوقِ الإنسانِ قراراً بالتوافقِ بشأنِ تجديد ولايةِ خبيرِ الأممِ المتحدة في السودان ودعمِ تأسيسِ مكتبٍ رئيسي تابعٍ لمفوضيةِ حقوقِ الإنسان، بالإضافةِ إلى أربعةِ مكاتبٍ ميدانيةٍ إقليمية، مما يعني أن هذه الكياناتِ ستمتلكُ القدرةَ على الإشرافِ على تطبيقِ احترامِ حقوقِ الإنسانِ في البلاد ومراقبتِها وكذلك تقصي الانتهاكاتِ ولعب دورٍ استشاريً مع الحكومة. ووجهَ القرارُ تحيةً للنساءِ اللاتي شاركنَ في التحركاتِ وكذلك المدافعين والمدافعات عن حقوقِ الإنسان وشجَّعَ الحكومةَ السودانيةَ على إيجادِ بيئةٍ وآمنةٍ وتمكينيةٍ للمجتمعِ المدني والمدافعين والمدافعات عن حقوقِ الإنسان ووسائلِ الإعلام وغيرها من الجهاتِ الفاعلةِ المستقلةِ للعملِ بحريةٍ وآمان. إلا أن القرار، وعلى الرغمِ من تأكيدِه على حاجةِ السودان إلى التحقيقِ في انتهاكاتِ حقوقِ الإنسان، فشلَ في إنشاءِ آليةِ تحقيقٍ مستقلةٍ خاصةٍ بمجلسِ حقوقِ الإنسان لتقصي حقائق 3 حزيران/ يونيو، وهذه إحدى المطالب الأساسية للمدافعات عن حقوق الإنسان، خاصة في ما يتعلقُ بالعنف الجنسي الذي لم يذكره القرارُ، بالرغم من ذكرِه للاستخدامِ المفرطِ للقوةِ بحقِ المتظاهراتِ والمتظاهرين السلميين/ات واستهدافهم/ن من قبلِ قواتِ الدعمِ السريع. 

وفي اليمن تواجهُ المدافعاتُ عن حقوقِ الإنسان اللاتي يعملنَ في سياقاتٍ خطيرةٍ حملةَ تشهيرٍ شرسة. إذ تلقت المحاميةُ البارزة عفراء الحريري تهديداتٍ عدة وصلت إلى تهديداتٍ علنيةٍ بالقتل وتصاعدت التهديداتُ في الفترةِ الأخيرة إذ سألَ عددٌ من الأشخاصِ عنها في منطقةِ سكنها. وسبق أن تقدمت عفراء الحريري ببلاغٍ رسمي. وكذلك تعرضت الصحافية نور سريب إلى حملةِ تشهيرٍ وتحريضٍ تضمنت اتهاماتٍ خطرة، وكذلك حالُ العديدِ من المدافعات اللاتي يعملنَ في مجالِ الإغاثةِ الإنسانية أيضاً. إن هذه الحملاتِ تهدفُ بشكلٍ رئيسي إلى معاقبةِ المدافعاتِ عن حقوقِ الإنسان والانتقامِ منهن بسببِ فعاليةِ عملهن ووصولِهن إلى منصاتٍ عالمية. إذ فازت المدافعةُ عن حقوقِ الإنسان رشا جرهوم بجائزة أنيتا أوغسبرغ. 

وفي المغرب في 30 أيلول/سبتمبر 2019 أصدرت محكمةٌ مغربيةٌ في الرباط حكماً بسجنِ المدافعةِ هاجر الريسوني مدةَ عامٍ بتهمةِ “الإجهاضِ غير القانوني” و “الفساد”، بالرغمِ من كل التقاريرِ الطبية التي تنفي ذلك. والمدافعةُ عن حقوقِ الإنسان هاجر الريسوني معروفةٌ بنشاطِها، وخاصةً بتوثيقِها لحراك الريف، ففي أيار/مايو 2019، نشرت سلسلةً من المقابلاتِ مع عددٍ من الناشطين في حراكِ الريف. والاتهاماتُ الموجهةُ إليها ليست إلا محاولةً من السلطاتِ المغربيةِ لتجريدِها من أي تضامنٍ مجتمعي محتمل، بل إن اختيارَ هذه التهمِ بالذات يهدفُ إلى تأجيجِ العنفِ المجتمعي بسببِ الثقافة ِالأبوية. ذلك أن الثقافةَ الأبويةَ تعمدُ إلى تجريدِ المدافعاتِ من شرعيتِهن وأحقيةِ عملِهن عبر توجيهِ تهمٍ لها طابعٌ ذكوري بامتيازٍ تهدفُ إلى معاقبةِ المدافعاتِ عن حقوقِ الإنسان ومنعِهن من التواجدِ والعملِ في المجالِ العام. وكذلك التأكيد على تقييدِ أجسادِ النساءِ وتشويهِ سمعتِهن بحسبِ المعاييرِ التي تفرضُها الأبوية. كما أن تعريضَها لفحصٍ طبي بالإكراهِ يُعدُّ شكلاً من أشكالِ التعذيب. وللسلطاتِ المغربية تاريخٌ في إسكاتِ الصحافياتِ المدافعاتِ عن حقوق الإنسان، كالصحافيةِ الصحراويةِ نزهة الخالدي التي تعرضت للاعتقالِ التعسفي في بدايةِ العام وكذلك خضعت لمحاكماتٍ غير عادلة. وفي  27 تشرين الثاني/نوفمبر، أصدرت محكمةٌ مغربيةٌ حكماً بالسجن لمدة ستة أشهرٍ بحقِ المدافعةِ محفوضة لفقير، بتهمٍ ملفقة. 

أما في العراق فتعيشُ المدافعات عن حقوق الإنسان خطر الخطف والقتل. تعملُ المدافعاتُ عن حقوقِ الإنسان في العراقِ حالياً في سياقٍ يتضمنُ مخاطرَ عدة قد تعرقِلُ عملهَن أو توقفُه تماماً أو قد تؤدي بحياتهن. وبالرغم من كل هذه المخاطر، تعملُ المدافعاتُ على المحافظةِ على عملهن، بل تعزيزه وتفعيله، حتى في ظل الظروفِ الحالية. كما أنَّ حجبَ الانترنت، وهو انتهاكٌ صارخٌ لحقوق الإنسان، يعرضُهن لمزيدٍ من المخاطر. إن احتمالَ قطعِ الإنترنت مجدداً يعني أن المدافعاتِ عن حقوقِ الإنسانِ لن يتمكنَّ من إجراءِ الاتصالاتِ الطارئة، بما فيها الوصولُ إلى المعلوماتِ من مقدمي الرعاية الصحية، والوصولُ إلى المعلوماتِ الأساسية، خاصة في ظلِ استمرارِ العنفِ المرتكبِ من القواتِ الأمنية ضد المتظاهرين والمتظاهرات. تنتهكُ عملياتُ القطعِ هذه حقوقاً متعددة، منها الحقُ في حريةِ التعبير والحصولِ على المعلومات، وتعرقلُ حقوقاً أخرى، منها الحقُ في حريةِ التجمع. في إعلانهم المشتركِ لعام 2015 حول حريةِ التعبيرِ والاستجابةِ لحالات النزاع، أعلن خبراءُ ومقررو الأمم المتحدة أنه حتى في أوقاتِ النزاع، “لا يمكنُ بأي حالٍ من الأحوال بموجبِ قانونِ حقوقِ الإنسان أن يتم تبريرُ القيامِ بفَلترةِ المحتوياتِ المتوفرةِ على شبكةِ الإنترنت باستخدامِ أزرارِ الإيقافِ الخاصةِ بالاتصالات (كإيقافِ أجزاءٍ كاملةٍ من أنظمة الاتصالات)”.

 في فلسطين شهدت المدافعاتُ اعتقالاتٍ تعسفية لطالباتٍ ومُحاضراتٍ في الجامعة. هذا بالإضافةِ إلى مداهمةِ مقرِ اتحادِ لجانِ المرأةِ الفلسطينيةِ في الخليل. كما تعرّضت المدافعاتُ في مسيرةِ “طالعات” في القدسِ إلى عنفٍ جسدي من قبلِ قواتِ الاحتلالِ الاسرائيلية بسببِ أنهن فلسطينيات ويتنقلنّ بحرّية. بالإضافةِ إلى ذلك، تعرّضت حملةُ “طالعات” في الداخلِ الفلسطيني إلى عمليةِ ترهيبٍ من المجتمعِ المحلي بسببِ رفضِهن للعنفِ والتحرشِ الجنسي ضمنَ المجتمعِ المدني الفلسطيني. كما تعرَضت مؤسسةُ القوس إلى هجومٍ من قبلِ السلطةِ الفلسطينيةِ ومضايقاتٍ على خلفيةِ عملهِا على التعدديةِ الجنسيةِ والجندريةِ في المجتمعِ الفلسطيني. 

وفي لبنان تتعرضُ الإعلامياتُ، وبالأخصِ الاعلاميةُ ديما صادق، لحملةِ تشهيرٍ وتخوينٍ بسببِ مواقفِها المناهضةِ لسياساتِ التيار الوطني الحر و”حزب الله”، وقد تعرّضت للهجومِ الجسدي في إحدى ساحاتِ التظاهر وسُرقَ تلفونها الخليوي، ونُشرت صورٌ لها تركزُ على التشهيرِ بها من حيث نوعية ملابسها، وكذلك اتُهِمَت بالتواصلِ مع جنودٍ اسرائيلين وإرهابيين. كما  تمَّ نشرُ رقمِ هاتفِها مع إعلامياتٍ أخرياتٍ وتعرّضنَ جميعاً لوابلٍ من الاتصالاتِ هدفت إلى تهديدِ سلامتِهن وإسكاتهن. 

 رغم كل ما تقدَّم، تعلمُّنا المدافعاتُ الصمودَ والمثابرةَ في كل المنطقة، وهن يلهِمنَ كل سكان منطقتِنا في إصرارهن على المساواةِ والحريةِ والعدل. وبرغم كل العراقيلِ الجندريةِ والسُلطويةِ والأبوية، يُكملنَ المسيرةَ ويكتبن تاريخاً شديدَ الأهميةِ في نضالاتِ النساءِ في المنطقة. 

من التحالفِ الإقليمي  إلى المُدافعات، شكراً على تعاليمكن اليومية! 

Facebook
Twitter
LinkedIn