العراق: خطفُ المدافعاتِ عن حقوقِ الإنسان
في 1 تشرين الأول/أكتوبر 2019، اندلعت في بعضِ محافظاتِ العراق، وتحديداً بغداد ومحافظات الجنوب والوسط، تظاهراتٌ احتجاجاً على البطالةِ والفسادِ وتردي الخدمات. وفرضت الحكومةُ حظراً على التجولِ في بغداد لأجلٍ غير مسمى بدأ تنفيذُه في الخامسةِ من صباح 4 تشرين الأول/أكتوبر. وأغلقت قواتُ الأمنِ الطرقَ والجسورَ الرئيسية، كما فُرضَ حجبٌ شبهُ كاملٍ على الإنترنت لمدة 123 ساعة على التوالي، مع احتمالٍ كبيرٍ لإعادةِ حجبِه في الساعاتِ والأيامِ المقبلة. واستخدمت القوةُ الأمنيةُ العنفَ المفرطَ مع المتظاهرين والمتظاهرات، إذ تعرضوا/نَ لاعتداءاتٍ وقمعٍ شديدٍ متسعٍ شملَ إطلاقَ الرصاصِ الحي والمطاطي والضربَ المبرحَ واستخدامَ الغازِ المسيلِ للدموعِ والماءِ الساخنِ والمطاردةَ والاعتقالاتِ الواسعة وانتزاعَ البراءات. وفي 24 تشرين الأول/أكتوبر، تعهدت الحكومةُ العراقيةً بإيقافِ مسؤولين أمنيين كبارٍ عن عملهم وبإجراءاتٍ إضافيةٍ محتملةٍ بسبب ردِهم الدموي على سلسلةٍ من الاحتجاجاتِ في أوائل تشرين الأول/أكتوبر 2019. مع ذلك، لم تعلن الحكومةُ بعد عن النتائجِ التي توصلت إليها، ولم يتناول تقريرُها بعضاً من أخطرِ الانتهاكاتِ التي ارتُكِبت أثناء الاحتجاجات، والدورَ المزعومَ لـ “قواتِ الحشدِ الشعبي” في قتلِ المحتجين.
في 24 تشرين الأول/أكتوبر، اندلعت موجةٌ ثانيةٌ من الاحتجاجاتِ في بغداد وسواها من المحافظاتِ في جميعِ أنحاءِ العراق، بما في ذلك الديوانية وذي قار والبصرة وكربلاء والنجف وميسان وبابل. ووفقاً للمفوضيةِ العليا المستقلةِ لحقوقِ الإنسانِ في العراق، فقد قُتِل ما لا يقل عن 100 متظاهر وأصيب 3654 شخصاً في هذه الجولةِ من الاحتجاجاتِ التي اندلعت مؤخراً.
تشاركُ النساءُ والمدافعاتُ عن حقوقِ الإنسان في الاحتجاجاتِ بشكلٍ بارزٍ وبطرقٍ مختلفة. ففي مدينةِ النجف، نظمت مجموعةٌ من النساءِ احتجاجاً على القمعِ الذي مورسَ بحقِ المتظاهرينَ والمتظاهرات. فوثقت مقاطعُ فيديو عديدة حازت على انتشارٍ واسعٍ إصابةَ إحدى المتظاهراتِ بالغازِ المسيل للدموع، بينما كانت تركضُ متظاهرةٌ أخرى خلال المواجهاتِ لإسعافِ المصابات. وكذلك شاركت الناشطاتُ في نشرِ المقاطعِ المصورةِ التي توثِّقُ عنفَ الشرطةِ. وكتبت الناشطةُ رئم عادل على صفحتِها في موقعِ فايسبوك إثر مشاركتهِا في الاحتجاجاتِ الأخيرة، قبلَ أن تغيبَ عن مواقعِ التواصلِ بسبب حظرِ الحكومةِ خدمةَ الإنترنتِ عن معظمِ العراق، “بالرصاصِ الحي والقنابلِ الصوتيةِ والغازِ المسيلِ للدموع، ركضنا وطاردونا بالسياراتِ والأسلحةِ.. كان لي الشرفُ بأن أكونَ جزءاً من هذه التظاهرةِ السلمية”. وكذلك أضافت في مقابلةٍ لها مع مبادرةِ “إرفع صوتك” بأنها أُبلغَت هي وسواها من المتظاهراتِ بضرورةِ الإسراعِ في المغادرةِ بسببِ توجيهِ قوةٍ أمنيةٍ لاعتقالِهن جميعاً، مما يدلُ على أن هناك محاولاتٍ موجودة فعلاً لمنعِ النساءِ من المشاركةِ في هذه الاحتجاجات. كما نظمت مجموعاتٌ نسائيةٌ ونسويةُ مسيراتٍ نسائية في مختلفِ مناطقِ العراق.
بالإضافةِ إلى ذلك، تواردت أنباءٌ عن وجودِ لائحةٍ تتضمنُ أسماءَ مدافعين ومدافعاتٍ عن حقوقِ الإنسانِ تعملُ السلطاتُ على استهدافهم/ن بشتى الطرق. كما أنه على مدارِ الأسبوع الماضي، أبلغَ مدونون ومدونات في مناطقِ جنوبِ البلاد أيضاً عن تلقي رسائلٍ نصيةٍ ومكالماتٍ هاتفيةٍ تهددهم/ن وأسرهم/ن. كما تعرضت قنواتُ “أن آر تي” الناطقةُ بالعربيةِ، ومقرُها الرئيسي في محافظةِ السليمانيةِ بإقليم كردستان العراق، وقناةُ دجلة المحلية، وقناةُ العربية لعملياتِ اقتحامٍ من مجهولين، بحسب ما أعلنَ كلٌ منها في بيان.
وبسبب التواجدِ المكثفِ للنساءِ ودورِهن الأساسي في التظاهرات، بدأت عملياتُ خطفٍ للناشطاتِ الميدانيات.
في 2 تشرين الثاني/نوفمبر 2019، اختُطِفت الناشطةُ الميدانيةُ المسعفةُ صبا المهداوي خلالَ عودتِها من ساحةِ التحريرِ في بغداد إلى منزلِها على يدِ مجموعةٍ مسلحة. وأُفرِجَ عنها في 13 تشرين الثاني/نوفمبر، ذلك بعد نحوِ أسبوعين من اختطافِها. وفي 8 تشرين الثاني/نوفمبر، تلقى التحالفُ الإقليمي للمدافعاتِ عن حقوقِ الإنسان أنباءً عن اختطافِ المُسعفةِ رانيا الساعدي أثناءَ توجهِها من منزلِها في السيديةِ إلى ساحةِ التحرير. وفي 12 تشرين الثاني/نوفمبر، انتشرت معلوماتٌ عن اختفاءِ الناشطةِ العراقيةِ ماري محمد، وهي إحدى المشاركاتِ في الاحتجاجاتِ واشتهرت بمساعدةِ المعتصمين والمعتصمات.
وتتعرضُ الناشطاتُ والمدافعاتُ في العراقِ لحملةِ تخويفٍ وخطفٍ منذ انطلاقِ الاحتجاجاتِ التي واجهتها السلطاتُ بعنفٍ مفرطٍ أسفر عن مقتلِ العشرات. وما زالَ الغموضُ يلفُ مصيرَ العراقيين والعراقيات الذين واللواتي وصلَ عددهم/ن إلى نحو 26 بين مدافعاتٍ ومدافعين ومتظاهراتٍ ومتظاهرين تعرضوا/ن للخطفِ منذ بدءِ الاحتجاجات.
تعملُ المدافعاتُ عن حقوقِ الإنسانِ في العراقِ حالياً في سياقٍ يتضمنُ مخاطرَ عدة قد تعرقلُ عملَهن أو توقفُه تماماً أو قد تودي بحياتِهن. وبالرغم من كل هذه المخاطر، تعملُ المدافعاتُ على المحافظةِ على عملِهن وتعزيزِه حتى في ظلِّ الظروفِ الحالية. كما أن حجبَ الانترنتِ انتهاكٌ صارخٌ لحقوقِ الإنسان، يعرِّضُهن لمزيدٍ من المخاطر. إنَّ احتمالَ قطعِ الإنترنتِ مجدداً يعني أنَّ المدافعاتِ عن حقوقِ الإنسانِ لن يتمكنَّ من إجراءِ الاتصالاتِ الطارئة، بما فيها المعلوماتُ من مقدمي الرعايةِ الصحية، والوصولُ إلى المعلوماتِ الأساسية، خاصةً في ظلِّ استمرارِ العنفِ المُرتكبِ من القواتِ الأمنيةِ بحق المتظاهرين والمتظاهرات. تنتهكُ عملياتُ القطعِ هذه حقوقاً متعددة، منها الحُق في حريةِ التعبيرِ والحصولِ على المعلومات، وتعرقِلُ حقوقاً أخرى، منها الحقُ في حريةِ التجمع. في إعلانِهم المشتركِ لعام 2015 حول حريةِ التعبيرِ والاستجابةِ لحالاتِ النزاع، أعلنَ خبراءُ ومقررو الأممِ المتحدةِ أنه حتى في أوقاتِ النزاع، “لا يمكنُ بأي حالٍ من الأحوالِ بموجبِ قانونِ حقوقِ الإنسانِ أن يتمَّ تبريرُ القيامِ بفلترةِ المحتوياتِ المتوفرةِ على شبكةِ الإنترنتِ باستخدامِ أزرارِ الإيقافِ الخاصةِ بالاتصالاتِ (كإيقافِ أجزاءٍ كاملةٍ من أنظمةِ الاتصالات)”.
يتضامنً التحالفُ الإقليمي مع المدافعاتِ عن حقوقِ الإنسانِ في العراق، ويطالبُ المجتمعَ الدوليَ بـ:
- الضغطِ على السلطاتِ العراقيةِ لإنهاءِ العنفِ والقمعِ الموجهِ ضد المتظاهرين والمتظاهرات، ويتضمنُ ذلك استخدامَ الأسلحةَ والرصاصَ الحيَ والمطاطي وقنابلَ الغاز. يحمي دستورُ العراقِ الحقَ في حريةِ التجمعِ والتظاهرِ السلمي. الحكومةُ العراقيةُ مُلزَمةٌ بموجبِ القانونِ الدولي لحقوقِ الإنسانِ بحمايةِ الحقِ في حريةِ التعبيرِ والتجمعِ السلمي، وينبغي لقواتِها الأمنيةِ الالتزامُ بصرامةٍ بالمبادئ الأساسيةِ بشأنِ استخدامِ القوةِ والأسلحةِ الناريةِ من جانبِ الموظفين المكلفين بإنفاذِ القانونِ الصادرةِ عن الأممِ المتحدة، وتطبيقِ وسائلٍ غيرِ عنيفةٍ قبلَ اللجوءِ إلى استخدامِ العنف. ينبغي للسلطاتِ ضمانُ تدريبِ قوى إنفاذِ القانونِ بشكلٍ مناسبٍ على استخدامِ الغازِ المسيلِ للدموع واستعمالِه بالتوافقِ مع مبادئ الأممِ المتحدةِ الأساسية.
- الضغطِ على السلطاتِ العراقيةِ بوقفِ ملاحقةِ المتظاهرين والمتظاهراتِ والمدافعاتِ والمدافعين عن حقوقِ الإنسانِ والصحافيين والصحافيات. فبالإضافةِ إلى الاعتقالاتِ والاحتجازاتِ الحالية، ظهرت في الأيامِ الأخيرةِ أنباءٌ عن وجودِ توجيهاتٍ أمنيةٍ تقتضي باعتقالِ المدافعاتِ والمدافعين الذين يعملونَ/نَ بشكلٍ خاصٍ في المجتمعِ المدني والأهلي والتحقيقِ الفوري في كل الانتهاكات.
- الضغطِ على السلطاتِ العراقيةِ بعدمِ قطعِ الإنترنت مرةً أخرى أو التهديدِ بحجبه. فبموجبِ القانونِ الدولي، يقعُ على العراق التزامُ ضمانِ أن تتمَّ القيودُ على الإنترنت بموجبِ القانونِ وأن تأتيَ كاستجابةٍ ضروريةٍ ومتناسبةٍ لمخاوفَ أمنية محددة، وبالتالي ينبغي على المسؤولين ألا يستخدموا عملياتِ إغلاقٍ واسعةٍ وعشوائيةٍ للحدِ من تدفقِ المعلومات، أو الإضرار بقدرةِ المدنيين على التجمعِ بحريةٍ والتعبيرِ عن الآراءِ السياسية.
- تذكيرِ السلطاتِ العراقيةِ بضرورةِ الحفاظِ على بيئةٍ آمنةٍ وسليمةٍ للعملِ للمدافعاتِ عن حقوقِ الإنسان، خاصةً أن للسلطاتِ العراقيةِ تاريخها في القمعِ والتهديدِ، وصولاً إلى اغتيالِ المدافعاتِ عن حقوقِ الإنسان، مما يعني أنهنَّ في ظلِّ الظروفِ الحالية يعشنَ مخاطرَ حياتية تتطلبُ المطالبةَ بالحمايةِ العاجلةِ والمضمونة.
خلفيةٌ:
بدأت التظاهراتُ السلميةُ بتاريخِ 1 تشرين الأول/أكتوبر 2019 في مدنِ العراقِ الوسطى والجنوبية، بما في ذلك بغداد والبصرة والنجف وبابل والديوانية. كررُ المتظاهرون/ت مجدداً مطالبَ الاحتجاجاتِ السابقةِ التي قامت في تموز/يوليو 2018، وطالبوا/ن بوضعِ حدٍ للفسادِ والبطالةِ وإدانةِ سوء تقديمِ الخدماتِ وبناءِ دولةٍ تحترمُ القانونَ والحرياتِ العامة لجميعِ المواطنين/ات.
مع استمرارِ الاحتجاجاتِ في تحدٍ لحظرِ التجول، بدأت شرطةُ مكافحةُ الشغبِ وأعضاء آخرون في أجهزةِ الأمنِ باستخدامِ القوةِ المفرطة، مثل إطلاقِ الذخيرةِ الحيةِ مباشرةً على الحشودِ بدلاً من تصويبِها فوق الرؤوس، واستخدامِ القنابلِ الصوتيةِ وخراطيمِ المياه (بالماءِ الساخن) والغازِ المسيلِ للدموعِ ضد المتظاهرين/ات. وفي حادثتين أُخريَين دهست السياراتُ المدرعةُ المحتجين. وأكدت تقاريرٌ عدة وجودَ قناصين فوق الأبنيةِ للتصويبِ على المحتجين/ات، وزعمت السلطاتُ أن هؤلاء ليسوا من قواتِ الدولة. تشكلُ هذه الأفعالُ إنتهاكاً مباشراً للعهدِ الدولي الخاصِ بالحقوقِ المدنيةِ والسياسية الذي يُعتَبر العراقُ طرفاً فيه.