تحليل عن أثر الأحداث الأخيرة على المدافعات في السودان
كيف تعيش النساء في السودان آثار فض الاعتصام العام، وكيف يؤثر ذلك على وجود النساء في المجال العام، وأيضا على الحراك النسوي في السودان، وكيف نقرأ ونحلل العنف الحاصل عليهن؟ كلها أسئلة تحضر في بال النسويات والمدافعات عن حقوق الإنسان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والعالم أيضا. ويحاول التحالف الإقليمي للمدافعات عن حقوق الانسان الاجابة عليها وتقديم محتوى معرفي يساهم في التضامن مع كافة الناس في السودان وعلى الأخص مع المدافعات في السودان اللواتي يعملن على الدفاع عن حقوق الإنسان وعلى القضايا النسوية المتنوعة.
تاريخ العداء للنساء في السودان
يمكن لنا أن نتذكر دائما أن النظام السوداني، والذي كان متمثلا بالرئيس المُسقط عمر البشير، لم يتوارى عن إظهار عدائه الشديد للنساء بشكل عام، وذلك من خلال شرعنة وقوننة ما يُعرف بقانون النظام العام والذي يهدف الى تقييد حرية النساء من حيث التواجد في الأماكن العامة؛ والعمل على جعل اجسادهن وعلاقتهن بأجسادهن أمر خاضعا لسلطة الدولة من خلال تجريم انواع ملابس محددة. كما في إطلاق تهم مثل خدش الحياء العام بشكل اعتباطي، والعمل على التشهير بالمدافعات والنشاطات بشكل ممنهج عبر تلفيق التهم والسير في محاكمات تعسفية هدفت الى تصوير الناشطات على الأخص بأنهن سيئات السمعة؛ كما سعى النظام إلى الرّبط بين سلوكيات تتعلق بالحريات الشخصية أو انخراط النساء في ادوار غير تقليدية وبين عملهن الحقوق والنسوي.
وقد قام النظام في العقود السابقة بعمليات استهداف واسعة لمنظمات المجتمع المدني وإقفال الكثير منها وتهديد أمن وسلامات العاملات فيها واجبارهن إما على التراجع والانكفاء عن العمل الاهلي والحقوقي أو الرحيل من السودان والعيش في المنفى.
وهنا نحلل أيضًا ما حصل مع المدافعة عن حقوق الإنسان ويني عمر والتي هُددت بعقوبة الإعدام في عام ٢٠١٨ بعد أن اتهمتها الشرطة بـ “بإدارة بيت للدعارة” بينما كانت مع زملائها في اجتماع عمل. وحُولت ويني عمر إلى المحاكمة على الرغمِ مِن عدم إكمال إجراءات التحقيق وكون الاتهامات المذكورة غير كافية للاحتجاز، فعادت السلطات ولفقت لها تهمة التخابر والتجسس. وكذلك الصحفية لبنى أحمد حسين التي واجهت تهمة “ارتداء ملابس تخدش الحياء العام” وعقوبتها ٤٠ جلدة، والجدير بالذكر أن لبنى أحمد حسين كانت تعمل في القسم الإعلامي التابع للأمم المتحدة في تلك الفترة.
ديسمبر ٢٠١٨ وحملات القمع ضد المدافعات عن حقوق الإنسان
ومع بدايةِ التظاهراتِ المناهضةِ للنظامِ الحاكمِ في كانون الأول/ديسمبر 2018، ازدادَ استهدافُ النساءِ والمُدافعاتِ عن حقوقِ الإنسانِ بشكلٍ غيرِ مسبوق، وذلك على خلفيةِ دورِهنَ القيادي في تنظيمِ التظاهراتِ السلميةِ في كلِّ مدن ِ السودان حيثُ تعرضتِ العشراتُ من الناشطاتِ للاعتقالِ التعسفي لأشهرَ عدة. كما طالَ الاعتقالُ مئاتِ المتظاهراتِ وقُدِّمنَ إلى المحاكمة وأُفرجَ عنهن بعدَ احتجازاتٍ دامت لساعاتٍ فى مراكزِ الشرطة. وفي 8 آذار/مارس 2019، أفرجتِ السلطاتُ السودانيةُ عن ما يقاربُ 60 مدافعة عن حقوق الإنسان، وهنَّ مدافعاتٌ بارزاتٌ وقيادياتٌ كُنَّ اعتقِلنَ لدورهنَ في تظاهراتِ كانون الثاني/يناير 2018. وقد وَثقَتْ شهاداتُ المدافعاتِ عن حقوقِ الإنسانِ اللاتي خرجنَ منَ السجونِ تعرضَهُنَ فى داخلِ معتقلاتِ جهازِ الأمنِ للتعذيبِ والعنفِ والسجنِ الانفرادي في ظروفٍ غير إنسانية. ويمكن فهم أثار هذا الاستهداف على المدافعة وايضا على العمل وذلك من خلال التعامل معه على إنه ممنهج.
فعلى سبيل المثال، تذكر المدافعة د. أحسان فقيري، رئيسة مبادرة لا لقهر النساء، والتي اعتقلت لأكثر من ٦٠ يوم دون تهمة أو محاكمة من بداية التظاهرات في ديسمبر ٢٠١٨، في شهادة نشرتها على حسابها على فيسبوك بأن ظروف الاحتجاز كانت سيئة وماطلت ادارة السجون بتقديم أي نوع من الرعاية الصحية للمعتقلات. كما تذكر أحد المحاميات في مقابلة مع التحالف الإقليمي، بعد أن اعتقلت في سجن دار التائبات، أن مساحة الزنزانة عبارة عن 5×5 سنتيمتر وأنهن كانوا أكثر من ٢٠ معتقلة في نفس الزنزانة. وتذكر المدافعة “ساعات التحقيق كانت طويلة جدًا، تعرضنا خلالها جميعًا لإساءات لفظية لا تحصى”. كما تعرضت زميلاتها، كالمدافعة سمية اسحق لوعكة صحية خطيرة جراء ظروف الاعتقال. وكذلك الدكتورة آمال جبرالله، التي ضُربت على رأسها، وتذكر د. إحسان فقيري في شهادتها أيضًا أنها رأت ظهر د.جبرالله دامي بسبب الضرب.
وتقول المدافعة عن حقوق الإنسان أسيل عبدو للتحالف، وهي تعمل مع منظمات إغاثية في دارفور، بأنها شاركت في الاحتجاجات في منذ ديسمبر ٢٠١٨ وأنه:”تم اعتقالي في يناير ٢٠١٩، وضربي بشكل مبرح، مما تسبب بتشويه وجهي وقدمي. وبعد أن خرجت، تلقى أهلي رسائل وتهديدات مختلفة”. وكانت قد نشرت أسيل أيضًا صورًا للضرب الذي تعرضت له بهدف توثيقه. وفي هذا الإطار أيضًا، تعرضت في 19 فبراير/شباط 2019، المدافعتين عن حقوق الإنسان وفاق قرشي و وفاء قرشي، للاعتداء اللفظي والضرب والاحتجاز من قبل جهاز المخابرات والأمن الوطني، بعد دخولهما متجرًا في وسط الخرطوم.
أما الصحفية شمائل النور، التي تعرضت للاعتقال في 27 ديسمبر 2018 أثناء إضراب سلمي واعتُقلت للمرة الثانية في 17 يناير 201، ذكرت في مقابلتها مع التحالف الإقليمي ذكرت أن هناك حالة من الخوف بسبب “الانتهاكات الخطيرة بحق النساء… تفقد النساء حقهن في الحياة عند أول اعتقال”.
يحقق استهداف المدافعات البارزات والمعروفات بشكل أساسي أكثر من هدف بالنسبة للنظام، ففي استهدافهن تحذير للمدافعات الاقل بروزا وتخويفهن من الاستمرار في العمل الحقوق، ففي اعتقال القيادات والبارزات تأكيد من النظام أن الحماية غير موجودة وبالتالي تكن الاقل شهرة أكثر عرضة للخطر وأقل تمتعا للحماية.هذا الاستهداف يخلق توترا ضمن حراكات المدافعات عن حقوق الإنسان وأيضا يفسح المجال لأن تتعرض المدافعات لمزيد من الضغوطات من الأهل والاقارب في حال لم يكونوا من الداعمين لعمل المدافعات في هذا المجال وعادة ما يستعمل الأهل والأقارب غير الداعمين لانخراط المدافعات في الدفاع عن حقوق الإنسان حجج ترتبط بإمكانية تعرّضهم أيضا للمخاطر وتحميل المدافعة مسؤولية سلامتهم عوضا عن تحميل النظام هذه المسؤولية. أيضا، يمكن فهم هذا الاستهداف على أنه تحويل قصدي للطاقة وموارد المدافعات والتي غالبا ما تتمركز حول القضايا التي تدافع عنها الى تركيزها على صدّ الاستهداف. هذا يؤثر على القضايا التي تدافع عنها المدافعات احياناً، فيقل ظهور القضايا بسبب تسليط الضوء على الإستهداف نفسه، وكما في الغالب أيضا تتأثر القضايا التي تعمل عليها المدافعات من حيث يتم الربط بينها وبين ما هو غير قانوني، رغم إنها حق من حقوق الإنسان العالمية.
وهذا ما حصل على مدار الأشهر الأخيرة حيث تعرضت المدافعات لشتى أنواع العنف الي ستمربشكل ممنهج بعد الإطاحة بحكم البشير وتسلم السلطة من قبل المجلس العسكري الانتقالي. وذلك من خلال الاستدعاءات للتحقيقات والاعتقالات التعسفية والتهديدات بالقتل وأيضًا بإصدار الأحكام القضائية التي تهدف إلى “تأديب” النساء كالجلد. فكان من الواضح بأن أجهزة الدولة، خلال كل فترة التظاهرات، استهدفت المدافعات بشكل رئيسي ووظفت طاقاتها في عرقلة عملهن وابعادهن عن الفضاءات العامة. فتمكن التحالف، ومن خلال شهادات المدافعات، من توثيق تعرضهن لأشكال مختلفة من العنف والتهديد، بما في ذلك العنف الجنسي والتهديد بالاغتصاب. وفي السودان، يُستخدم العنف الجنسي ضد النساء والمدافعات عن حقوق الإنسان بالتحديد وسيلة لمعاقبتهن على المشاركة في الفضاءات العامة ووسيلة لإسكاتهن وتوظيف الثقافة الأبوية لصالحهن من خلال تحريض مجتمعاتهن ضدّهن.
٣ يونيو ٢٠١٩: استخدام العنف الجنسي ضد المدافعات في سياق السودان المعسكر
ويعد سياق السودان سياق معسكر، وفيه يسُتخدم العنف الجنسي بشكل عمدي كوسيلة “تصحيحية” لإعادة قولبة المدافعة عن حقوق الإنسان–أي دفعها للعودة إلى القيام بدورها الاجتماعي المتوقع منها. وفي السياق السوداني المعسكر، فإن العنف الجنسي يُرتكب من مختلفة أجهزة الدولة والعناصر المسلحة غير الحكومية والجماعات شبه العسكرية أو العصابات ضد المدافعات عن حقوق الإنسان، اللاتي يعملن في مختلف المجالات. ولذلك نحلل استخدام العنف الجنسي ضد المدافعات عن حقوق الإنسان في سياق السودان كسلاح يتم استخدامه بشكل ممنهج، و كاستراتيجية لقمع المدافعات بشكل خاص، وننظر إلى هذا العنف كجزء من قمع الدولة وليس كأفعال فردية معزولة عن سياق اجتماعي أوسع. هذا بالإضافة إلى وجود قوانين تشرع العنف الجنسي ضد المدافعات، كقوانين النظام العام السوداني التي تعتبر الكثير من الخيارات الشخصية-كحق النساء في ارتداء ما تشاء-جرائم عقوبتها التحقير والجلد.
فمثلا منذ 3 من يونيو 2019 ولحظة فض اعتصام القيادة العامة تواردت تقارير عدة عن تعرض عددًا من النساء والرجال أيضًا لعنف جنسي. ونظرًا لحجب الانترنت، لم يتمكن التحالف من توثيق عدد الاعتداءات والانتهاكات ضد النساء حتى اللحظة، إلا أن التحالف يؤكد ارتكاب قوات الدعم السريع للعنف الجنسي. فوثقت لجنة الأطباء المركزية أكثر من ٦٠ حالة اغتصاب موزعة على مستشفيات الخرطوم، بما في ذلك طبيبتين داخل عيادة ميدانية. وهذا يعكس حقيقة أن قوات الدعم السريع وغيرها قد استخدمت العنف الجنسي والترهيب وغيرها من أشكال الاعتداء لإسكات المدافعات عن حقوق الإنسان في جميع أنحاء السودان في الماضي. ونظرًا للتعتيم وحجب الانترنت وعرقلة الاتصالات ومهاجمة المستشفيات من قبل قوات الدعم السريع، فإن نسب الوصول إلى المستشفيات أو المراكز الطبية الخاصة لتلقي الدعم اللازم تدنت بشكل كبير. كما تاريخ قوات الدعم السريع في ارتكاب جرائم ضد الانسانية ومنها العنف الجنسي والاغتصاب ضد النساء والافلات من المحاسبة والعدالة، يدفعنا للإعتقاد بوقوع احداث مشابهة. وقد شاركت المدافعة عن حقوق الإنسان ناهد جبرالله إن بعض الجثث التي انتشلت من النيل كانت لنساء تعرضن لعنف جنسي قبل موتهن، وأنه من الصعب تحديد أرقام دقيقة للناجيات من العنف الجنسي بسبب حجب الإنترنت وعرقلة الاتصالات. كما ذكرت أن الكثير من الأشخاص تعرضن للتهديد بالاغتصاب في حال رفضوا أوامر قوات الدعم السريع. كما صرحت الدكتورة سمية شريف، رئيسة مركز الأحفاد للإرشاد وعلاج الصدمة النفسية، بأن المركز قد عالج ١٥ إمرأة تعرضت للاغتصاب، وذكرت أن العديد من النساء اللاتي تعرضن للضرب على أعضائهن التناسلية.
واليوم، وبعد رفع الحظر عن الإنترنت في السودان، تصل العديد من التقارير حول الإنتهاكات والعنف الجنسي المرتكب طوال تلك الفترة وتعمل مجموعات نسوية ونسائية وحقوقية عدة على التضامن مع الناجيات من العنف الجنسي بأشكال مختلفة، سواء عبر تنظيم الوقفات والتحركات والمسيرات أو تقديم الدعم النفسي والطبي اللازم وتوفير الخدمات المختلفة أو من خلال المطالبة بالعدالة للنساء في السودان.
وفي هذا السياق، وجه التحالف الإقليمي للمدافعات عن حقوق الإنسان في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا رسالة إلى مجلس حقوق الإنسان يدعوه فيها إلى نشاء آلية دولية للتحقيق في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والاستخدام الواسع النطاق للاغتصاب والعنف الجنسي خلال فض الإعتصام والأيام التي تبعته. يمكنكن الإطلاع على الرسالة هنا.
عاش نضال المدافعات في السودان!