بيان: أفرجوا عن المدافعات عن حقوق الإنسان في السودان

بيان: أفرجوا عن المدافعات عن حقوق الإنسان في السودان

إنَّ المدافعاتِ عن حقوقِ الإنسان في السودان يُستهدَفنَ بشكلٍ متزايدٍ مِنْ قِبَلِ جهات حكومية متعددةٍ، وأصبحَ عملُهن المتواصلُ في الدفاعِ عنْ حقوقِ الإنسانِ يعرِّضُهنَ لكافةِ أشكالِ المخاطرِ والانتهاكاتِ. فمعَ تصاعدِ التحركاتِ الاحتجاجيةِ والاعتصاماتِ والتظاهراتِ الثوريةِ  وتواصلِها، تضطلعُ المدافعاتُ بدورٍ قياديٍ بارزٍ، ليسَ فقط على المستوى التنسيقيِ للتحركاتِ، بلْ أيضاً في المُناصرةِ والدعوةِ وإلهامِ المجتمع للانتفاضِ على السياساتِ القمعيةِ والتعسفية. وهذا ما قد يفسِّرُ تلكَ الهجمةَ المتزايدةَ على المدافعاتِ عنْ حقوقِ الإنسانِ في السودان.

تمكَّنَ “التحالفُ الإقليميُ للمدافعاتِ عن حقوقِ الإنسانِ في الشرقِ الأوسطِ وشمالِ أفريقيا” من توثيقِ ما يقارِبُ المئةَ انتهاكٍ بحقِ المدافعاتِ عنْ حقوقِ الإنسانِ منذ مطلعِ الاحتجاجات في كانون الأول/ديسمبر 2018. وتترواحُ تلك الانتهاكاتُ بين تهديداتٍ مبطَّنةٍ ومباشِرةٍ واحتجازاتٍ مؤقتةٍ واعتداءاتٍ بالضربٍ والإعتقالِ والمضايقاتِ القانونيةِ التي تهدفُ إلى إبعادِ المُدافعاتِ عن مركزِ الاحتجاجات.

ومِنَ الضروري فهمُ  الانتهاكاتِ بحقِ المدافعاتِ في سياقٍ أوْسعَ يُشَرْعِنُها ويطبِّعُها. فالنظامُ السوداني وضَعَ اشتراطاتٍ قانونيةٍ تعسفيةٍ على وجودِ النساءِ في الفضاءِ العام، أبرزُها منظومةُ “النظامِ العام” التي تملكُ محاكِمَ وأجهزةَ شرطةٍ خاصةٍ بها ومجموعةَ تشريعاتٍ مِنَ القانونِ الجنائي السوداني داعمةٍ وحاميةٍ لها. يستهدفُ النظامُ العامُ النساءَ في أدقِ تفاصيلِ حياتِهن الخاصةِ والعامة، كما يُضيِّقُ على المدافعاتِ ويعرقل عملهن ويحاولُ عزلَهن عبر تلفيقِ تهمٍ لهن مستخدماً قوانينَ آدابٍ وقضايا أخلاقيةً أبويةً عدة. ولعلَّ النظامَ العامَ هو التجسيدُ المؤسساتيُ للثقافة الأبويةِ الحاكمة. ففي 2018 استُهدِفَت الصحافيةُ والمدافعةُ عن حقوقِ الإنسانِ ويني عمر مِنْ خلالِ هذا الجهاز. إلى ذلك، هناك سياسةٌ واضحةٌ حيالَ المدافعات. فمِنْ تحركاتِ كانون الثاني/يناير 2018، يتبينُ أنَّ المدافعاتِ عنْ حقوقِ الإنسانِ، وخاصةً المحامياتُ والصحافيات منهن، هدفٌ لاعتقالاتٍ ومحاكماتٍ تعسفيةٍ عدة.

منذُ انطلاقِ التحركاتِ، تعرضت نحو مئةِ مدافعةٍ للاحتجازِ التعسفي، بينهن الأستاذةُ هاديا حسب الله، ولا تزالُ هناك أكثر من 35 مدافعةً خلفَ القضبانِ كالدكتورتين إحسان الفقيري وآمال جبرالله  والأستاذة عديلة الزئبق والمحاميات هنادي فضل وحنان حسن القاضي  والمدافعات أماني عثمان وعزيزة عوض وهويدا محمد الحسن التي تعرَّضت للاعتقالِ مرتين. واستُدعِيَت أكثر من أربعِ مُدافعاتٍ للتحقيقات، وتمَّ تلفيقُ تهم لهن، كالمدافعة والصحافية شمائل النور المتهمةِ “بنشرِ أخبارٍ زائفةٍ على وسائلِ التواصلِ الاجتماعي”. هذا بالإضافةِ إلى المدافعاتِ اللاتي تلقينَ التهديداتِ بطرقٍ مختلفة، إما عبرَ الهاتف أو بقصفِ منازلِهن واستهدافِها بقنابل الغاز وسوى ذلك مِنَ الأسلحةِ بهدفِ ترهيبِهن وتخويفِهن. ومِنَ المؤكدِ أنَّ المدافعاتِ اللاتي يقُمنَ بنشاطِهنَ السلميِ بعيداً مِنْ مناطقِ التجمعاتِ الحاشدةِ كالعاصمةِ يتلقينَ تهديداً أوسعَ وتصلُهن رسائلٌ بأنهن “وحدَهن كونهنَ بعيداتٍ” جغرافياً عن المركزِ، مما يُبْرِزُ كيف تلعبُ السُلطاتُ على وترِ عزلِ المدافعاتِ بشكلٍ قصدي. كما أدى الهجومُ الوحشي للسلطاتِ إلى مقتلِ أنصاف موسي في تظاهرةٍ في القضارفِ بشرقِ السودان يوم 20 كانون الأول/ديسمبر ومريم محمد عبدالله التي قضت بالرصاصِ الحي أثناء مشاركتِها في تظاهرة عطبرة السلميةِ بعد ذلك بثلاثةِ أيام. اضافة الى العشرات من امهات الشهداء اللاتي يتعرضن إلى تهديدات عدة خلال نضالهن للحصول على العدالة لابنائهن وبناتهن.

وعلى الرغمِ من هذه المخاطرِ، لا تزالُ المدافعاتُ ينخرِطنَ في الاحتجاجاتِ ويلعبنَ دورهنَ، كاسراتٍ للقيودٍ ومتخطياتٍ التهديدات. وتنضمُ إلى حركةِ المدافعاتِ عنْ حقوقِ الإنسانِ شاباتٌ جديداتٌ مِنَ المدافعاتِ المنخرطاتِ في العملِ الطلابي. في كلِّ أنحاءِ السودانِ تنظمُ المدافعاتُ أنفسَهن بطرقٍ مختلفةٍ ومبتكرةٍ لمقاومةِ سياقٍ عدائيٍ وأبويٍ معادٍ لهن. وهنَّ يدركنَ  المخاطرَ التي تواجهُهنَ ويعرفْنَ مِنْ تجاربهِنَ السابقةِ المؤلمةِ الثمنَ الذي يدفعْنَه، وهو وضْعُ أنفسِهنَ وعائلاتِهنَ على المحكِ منْ أجلِ الدفاعِ عنْ حقوقِ الإنسان. فالمدافعاتُ عنْ حقوقِ الإنسانِ يعملْنَ دونَ وجودِ أي آلياتِ حمايٍة قانونيةٍ تسمحُ لهنَ بالحصولِ على المساعدةِ القانونيةِ والنفسيةِ والطبيةِ، على الرغمِ مِنْ تعرضِهن المتكررِ والمتزايدِ للتعذيبِ وسوءِ المعاملةِ على أيدي جهازِ الأمنِ عندَ إلقاء القبضِ عليهنَ أو في الطريقِ أو عندَ الوصولِ إلى مراكزِ الإعتقال، كحالِ المدافعةِ أسيل عبدو التي تعرضَّت للضربِ الُمُبرحِ على أيدي عناصرِ الأمن.

يُعرِبُ “التحالفُ الإقليمي للمدافعاتِ عنْ حقوقِ الإنسانِ في الشرقِ الأوسط وشمالِ أفريقيا” عنْ مخاوفَ بشأنِ السياقِ العامِ الحالي مِن الترهيبِ والقمعِ والاستهدافِ للمدافعاتِ عنْ حقوقِ الإنسان، ولا سيما في ردةِ الفعلِ الوحشيةِ حيالَ التظاهراتِ والتحركاتِ السلمية على مستوى البلاد كلها. إنَّ المدافعاتِ عن حقوق الإنسانِ في السودانِ بحاجةٍ عاجلة إلى تضامنٍ والتزامٍ إقليميٍ ودولي. فالانتهاكاتُ المذكورةُ أعلاهُ هي فقط أجزاءٌ صغيرةٌ تُظْهِرُ مدى حجبِ عملِ المدافعاتِ في السودان عنْ المجتمعَ‍ينِ الإقليمي والدولي.

إنَّ أعضاءَ “التحالفِ الإقليمي للمدافعاتِ عن حقوقِ الإنسانِ في الشرقِ الأوسطِ وشمالِ أفريقيا” يعبِّرْنَ عن أقصى تضامنِهنَ مع زميلاتِهن في السودان، خصوصاً معَ المدافعاتِ اللاتي لهن تاريخٌ في الدفاعِ عن حقوقِ الإنسان في البلادِ على الحكومةِ السودانيةِ أنْ تكافئهنَ عليه، لا أنْ تضعَهنَ خلفَ القضبان.

يطالبُ التحالفُ الإقليمي للمدافعاتِ عن حقوقِ الإنسانِ في الشرقِ الأوسطِ وشمالِ أفريقيا:

– بالإفراجِ الفوري عنْ كلِّ المدافعاتِ عنْ حقوقِ الإنساِن في السجونِ السودانيةِ المختلفة،

– السماحِ لهنَ بالتواصلِ مع ذويهن والوصولِ إلى محامٍ.

-كما راجعَ التحالفُ الإقليمي الدستورَ السوداني والاتفاقاتِ المُصادَق عليها، ورأى أنَّ الاعتقالاتِ التعسفية للمدافعاتِ تنتهكُ  الموادَ 29 و 31 و 40 (أ) و 48 من الدستورِ الانتقاليِ لجمهوريةِ السودان. كما تنتهكُ الموادَ (2) و (7) و (8) و (9) و (30) من الإعلانِ العالمي لحقوقِ الإنسان، والموادَ 2 و 5 و 9 و 17 و 19 و (2) و (4) والمادة (6) من الميثاقِ الأفريقيِ لحقوقِ الإنسانِ والشعوب، والموادَ 2 و 3 (أ) و 4 و 8 و (28) من الميثاقِ العربيِ لحقوق الإنسان. وعليه، يحضُ التحالفُ الحكومةَ السودانيةَ على مراجعةِ دستورِها والالتزاِم به.

ويدعو التحالفُ  المجتمعَين الإقليمي والدولي إلى التضامنِ العاجلِ مع كلِّ المدافعاتِ عنْ حقوقِ الإنسانِ في السودان.

خلفيةٌ عنْ الاحتجاجاتِ:

اندلعت الاحتجاجاتُ يوم 19 كانون الأول/ديسمبر 2018، ولا تزالُ مستمرةً حتى اليوم في مختلفِ المدنِ السودانيةِ بسببِ حكمِ عمر حسن البشير القمعي وتدهورِ حالِ البلادِ على كلِّ المستويات. شهدت هذه الاحتجاجاتُ السلميةُ ردَّ فعلٍ عنيفٍ مِنْ  السلطاتِ التي استعملتْ مختلفَ الأسلحةِ في تفريقِ المتظاهرين، بما في ذلكَ الغازُ المسيلُ للدموعِ، الرصاصُ المطاطي وصولاً إلى استخدامِ الرصاصِ الحي في بعضِ المدنِ مما تسببَ بسقوطِ عشراتِ القتلى والجرحى

Facebook
Twitter
LinkedIn