مصر: لا للمضايقةِ القانونيةِ للمدافعتينِ د.سوزان فياض ود.ماجدة عدلي
نشَرَ “مركزُ النديمِ لمناهضة العنفِ والتعذيب” في مصر بياناً أعلنَ فيه أنَّ قاضيَ التحقيقِ في القضيةِ الرقم 173 المعروفةِ باسمِ “قضيةِ تمويلِ المجتمعِ المدني”، استدعى مؤسِسَتَيه المدافعتين عن حقوقِ الإنسان د. سوزان فياض ود. ماجدة عدلي للتحقيقِ في القضيةِ يوم الخميس المقبل في 31 أيار/مايو 2018 . وجاء في البيان: “لا يمكننا أنْ نغفلَ “مصادفةَ” أنْ يأتيَ هذا الاستدعاءُ وبالكادِ مرَّ شهرٌ على حصولِ النديمِ على جائزةِ منظمةِ العفوِ الدوليةِ التاسعة، وكأنهُ استحقَ العقابَ لما حصلَ عليه من تقديرٍ دولي”. وفي 3 يونيو، قرر قاضي التحقيق في القضية رقم 173 لسنة 2011، المعروفة إعلاميًا باسم قضية منظمات المجتمع المدني، استكمال التحقيق مع الطبيبة ماجدة عدلي، إحدى مؤسسات مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب، إلى موعد لاحق سيحدده خلال الأسبوع الجاري. وقالت د. عدلي إن القاضي أطلعها على تهمتين منسوبتين إليها، وهما «تأسيس كيان خارج قانون الجمعيات الأهلية، ومخالفة النشاط المهني والطبي»، و«نشر معلومات تضر بالدولة»، مضيفة أن المحامين طلبوا الاطلاع على أوراق القضية، إلا أنهم لم يمكنوا من ذلك.
يأتي هذا الاستدعاءُ ضمنَ تحقيقاتِ القضيةِ 173 التي عرَّضَت العديدَ مِنَ المدافعاتِ والمنظماتِ إلى أوامرَ تعسفيةٍ كمنعِ السفرِ والتحفظِ على الأموالِ وتجميدِ الأصولِ التي طالَت الحسابات الشخصية والمؤسساتية، وذلك في سياقِ جهودٍ منسقٍة ومنهجيةٍ لتفكيكِ الحركةِ الحقوقيةِ في مصر وإغلاقِ كل مساحاتِ المجتمع المدني. وليست هذه المرةُ الأولى يتعرضُ فريقُ عملِ النديم لمضايقاتٍ وملاحقاتٍ قانونيةٍ وأمنيةٍ في إطارِ هذه القضية.
ففي 17 شباط/فبراير 2016، تلقى المركزُ قراراً بالإغلاقِ من إدارةِ الطبِّ الحرِّ التابعِ لوزارةِ الصحّة المصرية، بعدما حضَرت قوةٌ من أمناءِ شرطةِ ومهندسٌ من حيِ الأزبكية إلى المكان وفقاً لما أسمته الإدارةُ بـ”مخالفةِ مركزِ النديم الشروطَ المتعلقةَ بترخيصِ المنشأةِ الطبّية”. وكانت تلكَ المحاولةُ الأولى مِن السلطاتِ لإقفالِ النديم. واستطاعَ وكيلُ المركزِ المحامي طاهر أبو النصر إرجاءَ قرارِ إقفالِ المركزِ بالشمعِ الأحمر.
وبعد زيارةٍ لطبيباتِ النديم لوزارةِ الصحة، تبينَ أنَّ العيادةَ لم ترتكبْ أي أخطاءٍ مهنيةٍ تستوجبُ إغلاقها. وفي الخامس من نيسان/أبريل 2016، عاودت وزارةُ الصحةِ محاولةَ إغلاقِ المركز لكنها لم تنجحْ بسببِ فشلِ الأطباءِ في تقديمِ الأوراقِ المناسبةِ، وأيضاً لرفضِ مديراتِه مغادرتَه. وبعد سنةٍ من المحاولات، اقتحمت قوةٌ ضخمةٌ من الشرطةِ النديم في 9 شباط/فبراير 2017، وأقفلته بالشمعِ الأحمرِ في يومِ إجازةِ فريقِ العمل. وفي 15 تشرين الثاني/نوفمبر 2017 صدَرَ قرارُ قاضي التحقيق المستشارُ هشام عبد الحميد بوضعِ د. سوزان فياض ود. عايدة سيف الدولة على قوائمِ المنعِ منَ السفرِ “بمناسبةِ التحقيقاتِ التي يجريها في القضيةِ الرقم 173 لسنة 2011 حصْرَ قضاةِ تحقيق”. كما أنه في 18 تشرين الأول/أكتوبر 2017 منعتِ السلطاتُ المصريةُ د. سوزان فياض مِن السفرِ إلى تونس للمشاركةِ في مؤتمرٍ لإعادةِ تأهيلِ ضحايا التعذيب. ومنعتِ السلطاتُ كذلك مسؤولةَ مركزِ النديم د. عايدة سيف الدولة مِنَ السفرِ إلى برلين لاستلامِ جائزةِ منظمةِ العفوِ الدوليةِ التاسعة.
إنَّ مركزَ النديم يُعتبرُ من الروّادِ في مناهضةِ التعذيبِ وإعادة ِتأهيلِ الضحايا، وقد عمِلَ بشغفٍ طوالَ ربعِ قرنٍ بتقديمِ الخدماتِ لآلافٍ من الضحايا، كما في مدّ العونَ للعديدِ من المنظّماتِ العربيةِ في المنطقةِ بمشاركةِ الخبراتِ في هذا المجال. ويبدو لنا أنَّ السلطات المصريةَ ليست على معرفةٍ بأهميةِ وجودِ المركز في مصر والعالم، ولا تقدّرُ جهودَه في تزويدِ الضحايا بالخدماتِ التي لا تقدمُها الدولةُ، ولا تحاسبُ مرتكبي التعذيبِ والعنفِ على حدٍ سواء.
تعودُ بداياتُ تأسيسِ المركزِ إلى 1989 عندما عاينت الطبيباتُ آثارَ تعذيبِ قواتِ الأمنِ بعد إضرابٍ عمالي. فقررنَ تأسيسَ عيادِة نفسيةِ لتقديم خدماتِ التأهيلِ والدعمِ النفسيِ لضحايا التعذيب. وبدأ المركزُ عملَه كشركةٍ مدنيةٍ لا تبغى الربحَ في 1993، ولم ينحصر دوره على تقديمِ الدعم النفسي والقانوني فحسب، بل ساهمَ في تحريكِ الرأي العامِ ضدَّ كل التضييقاتِ القانونيةِ والاجتماعيةِ التي تحدُّ من عملِ الحركةِ الحقوقيةِ في مصر، فشاركَ في حملاتٍ عدة، وأسَّسَ أكثرَ من عشرةِ مراكز في أنحاءِ مصر للاستماعِ إلى ضحايا العنفِ من النساءِ وتقديمِ المشورةِ لهن، إلى مشاركةِ المنشوراتِ والمقالاتِ والشهاداتِ مع المجتمعاتِ المحلية والإعلام في مصر.
وامتدَّ العملُ إلى الشرقِ الأوسط وشمال أفريقيا، حيث ساهمَ المركزُ في تأسيسِ المجموعةِ السودانية لمناهضةِ التعذيب. كما أنَّ المركزَ عضوٌ مؤسسٌ لشبكةِ “أمان” التي تضمُ مختلفَ المراكزِ والمجموعاتِ العاملةِ على مناهضةِ التعذيب، إضافةً إلى كونهِ جزءاً جوهريأ لا يتجزأ من الرسالةِ والحركةِ العالميةِ لدعمِ ضحايا التعذيب. وللمركزِ تاريخٌ طويل في توثيقِ حالاتِ التعذيبِ والجرائمِ والقمع التي يتعرضُ لها الضحايا. ونشرَ شهاداتٍ للتعذيب الذي تعرَّض له ما لا يقلُ عن ألفِ شخصٍ خلال ربع قرن. فمِن شهاداتِ التعذيبِ في أوائلِ التسعينياتِ، إلى شهاداتٍ من تظاهراتِ الـ 2000 و2003 التي تزامنتْ مع صعودِ الحركةِ الحقوقية، إلى توثيقِ شهاداتِ تعذيبِ اللاجئين في مصر وتعاملِ الأمنِ معهم، وتوثيقِ حالاتِ التعذيبِ أثناءَ ثورة يناير وبعدها، وقد نشر المركزُ شهاداتٍ حيةً عن التعذيبِ الجنسي من بداية 2012، وصولاً إلى آخرِ شهادةٍ منشورةٍ على موقعِ النديم في أيلول/سبتمبر 2017 عن حالةِ تعذيبٍ لطالبٍ بناءً على تهمةٍ ملفقة.
إنَّ مركزَ النديمِ لتأهيلِ ضحايا العنف والتعذيب من الأعضاءِ المؤسسينَ في “التحالفِ الإقليمي للمدافعاتِ عن حقوقِ الإنسانِ في الشرقِ الأوسط وشمال أفريقيا”، كما تشغلُ د.ماجدة عدلي منصبَ استشاريةٍ للتحالف نتيجةَ غنى تجربتِها في الدفاعِ عن حقوقِ الإنسانِ في مصر والعالم العربي. ولا يمكنُ للتحالفِ أنْ يكونَ ما هو عليه من دونِ جهودِ مركزِ النديم وحكمةِ ماجدة عدلي وجهودِها.
يعبِّرُ التحالفُ الإقليمي للمدافعاتِ عن حقوقِ الإنسانِ في الشرقِ الأوسطِ وشمال أفريقيا، الذي يضمُ أكثرَ من 42 منظمةٍ تعملُ للدفاعِ عن حقوقِ الإنسان، عن تخوفِنا وقلقِنا الشديد من استدعاءِ مؤسستَي النديم بهذا الشكل، واستمرارِ الحكومة المصريةِ في مضايقةِ المركزِ والعملِ على إسكاتِ أصواتِ العاملات فيه، بدلاً من أن تستثمرَ الدولةُ المصريةُ طاقاتِها في جعلِ مصرَ مكاناً آمناً للجميع خالياً من التعذيب، والبحثِ عن مرتكبي جرائمِ التعذيب والعنف. كما يتضامنُ مع د. سوزان فياض ود. ماجدة عدلي اللتين قررتا الوقوفَ ضد جرائمِ التعذيبِ بالرغمِ من كل المضايقاتِ والملاحقات.
يطالبُ التحالفُ الإقليمي للمدافعاتِ عن حقوقِ الإنسانِ في الشرقِ الأوسطِ وشمال أفريقيا بـــ:
-وقفِ الملاحقةِ القانونيةِ والأمنيةِ لمركزِ النديم ومؤسساته،
-غلق القضيةِ الرقم 173 التي تهدفُ إلى تكفيكِ الحركةِ الحقوقيةِ في مصر،
-مراجعةِ السلطاتِ المصريةِ لدستورها ولقوانينها. فالنديمُ مسجلٌ كشركةٍ مدنيةٍ غيرِ هادفةٍ للربح، وهو عملَ بشفافيةٍ على مدار 25 عاماً. وينصُ الدستورُ المصري في المادةِ الرقم 75 على أنَّ “للمواطنينَ حقُ تكوينِ الجمعياتِ والمؤسساتِ الأهليةِ على أساسٍ ديمقراطي، وتكونُ لها الشخصيةُ الاعتباريةُ بمجردِ الإخطار”. وبالتالي، يكون هذا الاستدعاءُ في إطارِ القضيةِ الرقم 173 غيرَ مسوغٍ له قانونياً وغيرَ شرعي