حقوق الإنسان: لا قسمة ولا مساومة

حقوق الإنسان: لا قسمة ولا مساومة

 بقلم هبة الحياة عبيدات

لم أكن أعلم أنه موقفٌ سيصاحبني بتداعياته برؤيةٍ قد تبدو مائلة إلى واقع يخلو من الإنسانية، في ظل الاستنادِ على سياسات الدولِ وتبعات عجزِ المجتمعِ الدولي.

كان هذا وقتَ مشاهدتي لمقطع فيديو لطفل يصارع الألم من حالة مرضية وفيه أنين لم يتوقف حتى مع نهاية الفيديو الذي بُثَّ من الركبان على الحدود الشمالية الشرقية للأردن مع سوريا؛ لتأخذني الحالةُ وتستوقفني أمام طبيعة عملي كصحافيةٍ أو مدافعة عن حقوق الإنسان.

هل أسعى إلى سبقٍ صحافي بما وصلني من وثائق تؤكد وجود الطفل على الحدود في الركبان، على رغم نفي الحكومة الأردنية؟؟ أم أسعى إلى إيصالِ الوثائقِ إلى المنظمات الدولية والحكومة ليُسعَفَ الطفلُ فوراً قبل اشتداد ألمه؟؟

في تغطية أخبار اللجوء قد تختلف الصورة تماماً عن نشرِ أي من الأخبار الأخرى، فحياةُ اللاجئ وتبعات النشر أهمُ من فكرةِ السبقش الصحافي الذي تسعى إليه العديد من الوسائلِ الإعلاميةِ على امتدادِها في المنطقةِ العربيةِ وليس في الأردن فحسب.

كان علي بشكلٍ أو آخر خلعُ هذا الثوب، “ثوب الصحافي الواهم بالسبقِ”، وبدأتُ متابعةَ الحالةِ حتى نفذت كاملَ الاحتمالات بإدخاله؛ لأدليَ بشهادةٍ حقوقيةٍ عبر مواقعِ التواصلِ الاجتماعي موثقةٍ بتواريخ تواصلي مع الجهاتِ المعنية، والتي تفاعلَ معها العديدُ من الناشطين ممن كانوا الأسبقَ بمتابعة الحالةٍ عبر شبكة “تويتر”.

هي ليست الحادثةُ الوحيدةُ التي تستوقف العديد من المدافعين عن حقوقِ الانسان؛ فقضية اللجوء أصبحت تشكلُ جزءاً هاماً ضمن أولويات العديد من المدافعين عن حقوق الإنسان، في ظل انتهاكات عدة مورست عليهم بقصدٍ أو من دونِ قصد، نتيجةً لأجنداتٍ سياسيةٍ دفع ثمنها اللاجئ.

الدفاعُ عن قضايا اللجوءِ ليس بالأمر السهل، في ظلِ وجودِ ثقافةٍ مجتمعيةٍ كرستها الحكومةُ بوضعِ اللجوء السوري “شمَّاعةً” لأزماتِ الدولةِ الاقتصاديةِ والسياسيةِ والاجتماعيةِ. وهو ما يعني الاصطدامَ، ليس فقط بالحكومةِ والمنظمات، وإنما بمحاربةِ خطابِ كراهيةٍ ساهمت السياساتُ بشكل أو آخرَ في تعزيزِه، فأضحى المواطنُ واللاجئُ ضحيتَه.

ولعل أهم ما يُمارَسُ على المُدافعِ عن حقوقِ الإنسانِ في ظلِ الدفاع عن حقوقِ اللجوءِ، الاصطدامُ بالتهمةِ التي عفا الزمان عليها وأصبحت باليةً، وهي “صاحبةُ أجنداتٍ خارجية”.

حقوقُ الإنسانِ والإيمانُ بها أسمى من فكرةِ العمل المادي، وقد تكونُ تبعاتُه غيرَ معلومةٍ أو مُدرَكَةٍ لبعضنا؛ فأنتَ تدافعُ عن الحقِ في الحياةِ لإنسانٍ فرضت عليه الحياةُ واقعاً مؤلماً وكان ضحيةَ “لعبةِ السياسة”.

الحقوقُ ليست مجزأةً ولا تقبلُ القِسمةَ ولا تُكَيفُ وفقَ معتقداتِنا، كما لا تعني مجردَ شعاراتٍ نتغنى بها فقط في المحافلِ الدوليةِ والاجتماعاتِ العامةِ.

من حقِنا الدفاعُ عن الحقوقِ لكونه دفاعاً عن حقنِا نحن في هذه الحياة كما يجب أن نحياها بعيداً من الأجنداتِ السياسية وبعيداً من المعتقداتِ والأعرافِ أو حتى شماعةٍ ما يتم تداوله (الأمن والأمان(.

لا مساومةَ على حقوقٍ سطَّرها الإعلانُ العالمي لحقوقِ الانسان والتي تكفلُ لكلِ إنسانٍ حياةً كريمةً بحريةٍ من دون حدود تؤطِرُها تلك التابوهات.

نعم.. هنالك ثمنٌ وهنالك تبعاتٌ لكل من يسعى للحفاظِ على هذه الحقوق وإرسائها، إلا أن الحياةَ بكرامةٍ والدفاع عن تلك الحقوق يستحقُ دائماً الوقوفَ في وجهِ كل من تُسولُ له نفسه بانتهاكها، فقط لامتلاكه السلطةَ.

Facebook
Twitter
LinkedIn