العاملات في المنازل كمدافعات عن حقوق الإنسان
شهدت مصر، في أغسطس/آب 2012 الإعلان عن نقابة لعاملات المنازل أسّستها 300 امرأة مصرية تعملن في المنازل تهدف إلى وقف الإستغلال والتهميش وتحسين ظروف العمل، بالإضافة إلى أملهن بتغيير النظرة الدونيّة للمجتمع المصري عن العمل في المنازل وبالتالي عدم الشعور بالعار من ممارسة هذا العمل. وفي لبنان، في يناير/كانون الثاني 2015 تم الإعلان عن نقابة عاملات المنازل المهاجر ات تضم 350 عاملة مهاجرة من مختلف الجنسيات بالإضافة إلى نشطاء لبنانيات/ين.
تطالب نقابة عاملات المنازل المهاجرات بإنهاء نظام الكفالة وحد أدنى م الأجوروتنظيم ساعات العمل والراحة والحق بفسخ عقد العمل وتغيير مكان العمل. لم يعترف وزير العمل اللبناني بالنقابة بحجّة أنّه “لا يحق للأجنبي تأسيس نقابة” وكان قد هدّد بإستعمال قوى الأمن لفضّ حدث إطلاق النقابة. رغم كل العوائق، ترسّخ هاتان النقابتان، في لبنان وفي مصر، فكرة عاملات المنازل كمدافعات عن حقوق الإنسان، قادرات على رصد الإنتهاكات والإبلاغ عنها والعمل السياسي من أجل حماية حقوقهن وحقوق كل العاملات والعاملين المسْتَغَلّين.
يوجد في لبنان حوالي250 ألف عاملة منازل مهاجرة يبدأ إستغلالهن قبل وصولهن إلى لبنان حيث يقعن في ديون لإجراءات السفر ويوقّعن على عقد عمل في بلدهن يتغيّر حين يصلن إلى لبنان، حيث يوقّعن على عقد ثاني ينصّ على شروط وظروف عمل مختلفة، ومكتوب باللغة العربية التي لا تفهمها فئة كبيرة من العاملات المهاجرات. وقد وثقت المدافعات عن حقوق الإنسان، أفراداً وجمعيات، ما يتعرضن له عاملات المنازل المهاجرات من عنف لفظي وجسدي وجنسي متفشيين وساعات عمل متواصلة بدون راحة وأيام عطلة. في بعض الحالات تُمنع العاملات من الخروج من البيت، كما يوجد حالات حيث تُحرم العاملة من الطعام. ورغم الإستغلال والعنف، لا يوجد آليات أو نيّات من قبل السلطات اللبنانية لمحاسبة المعتدين. ويسجل لبنان كذلك نسبة عالية من موت العاملات، بحيث تموت عاملة كل إسبوع بدون أي تحقيق جدّي بقضاياهنّ، فتصدر التحقيقات نتيجة سريعة تفيد بأنه إنتحار. بينما تطالب المدافعات عن حقوق الإنسان عدم الإستخفاف بالتحقيقات وعدم إصدار نتائج سريعة، بل التحقيق الجدّي في أسباب الوفاة تشمل التحقيق عن إنتهاكات وعنف. وتعمل جماعات وجمعيات مثل الإتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان و حركة مناهضة العنصرية في لبنان أيضاً على إلقاء الضوء على الممارسات العُنصريّة وعلى دعم العاملات ونقابة عاملات المنازل المهاجرات.
والمشكلة ليست فقط بأفراد عنيفين، بل بالبنية الإقتصادية-الإجتماعيّة، أي في نظام وظيفته تهميش وإستغلال العاملات بإبقائهن يد عاملة رخيصة لا يُسمح لها بعيش حياة متكاملة وكريمة في لبنان. ولهذا السبب حاول النظام اللبناني تمرير قانون يمنع زواج او إقامة علاقة بين العاملة المهاجرة وأي شخص عربي أو أجنبي. لكن القانون لم يمر.
والعنف ضد العاملات المهاجرات ليس حكراً على لبنان، بل هو ظاهرة في المنطقة ككل. ففي الإمارات يؤدي نظام الكفالة إلى العمل المتواصل ل21 ساعة، وعنف جسدي وجنسي، ومصادرة جواز السفر بالإضافة الى عدم دفع الأجور، ومن دون قوانين لحمايتهن.
وقد أعلنت عدّة دول الخليج بعض الإصلاحات على قوانين العمل، بالرغم من الإصلاحات التي أعلنتها السعودية مثلاً— بمنع حجز جواز السفر ورفع الغرامة على منتهكين حقوق العمال المهاجرين—لا تشمل هذه الإصلاحات القانونيّة عاملات المنازل المهاجرات. وأعلنت الإمارات عن عقد عمل موحّد يوقّعها العامل في بلده ولا تتعدّل إلا بموافقة أصحاب العلاقة. أمّا في الكويت فقد صدر عقد موحّد للعاملات والعاملين المهاجرين تشمل تعويضات نهاية الخدمة والإجازات. وفي قطر بالرغم من المرسوم الذي أصدره الأمير لحل نظام الكفالة لا يزال يعطي، حسب موقع “مايغرانت رايتس”، الحق لرب/ة العمل بالتصرّف بأوراق العامل/ة.
كتحالف إقليمي للمدافعات عن حقوق الإنسان في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، نحن ندرك أهمية وأحقيّة نضال عاملات المنازل، ومن بينهن عاملات المنازل المهاجرات، وبأن هذا النضال هو جزء أساسي من حقوق الإنسان والنساء والعمّال في مجتمعاتنا. إن عاملات المنازل، وبالأخصّ العاملات المهاجرات، يقاومن الإستغلال والعنف الإجتماعي البنيوي ضدهن بطرق فرديّة و/أو جماعية، وبأدوات عفويّة و/أو منظّمة. ولطالما خلقت العاملات شبكات من العلاقات لمساندة ودعم بعضهن معنويّاً ومادياً بطرق غير رسميّة وخلقن مساحات خاصة بهنّ، ولو محدودة، في بيئات معادية. ولطالما قمن أو شاركن في المسيرات المطلبيّة والإحتفالات والوقفات والأنشطة لإلقاء الضوء على أوضاعهن ومطالبهن. وتأتي نقابة عاملات المنازل في لبنان كإحدى أنواع المقاومة الجماعيّة والمنظّمة التي تسعى من خلالها المدافعات عن حقوق العاملات بتغيير نظام الكفالة ونظرة المجتمع الفوقيّة إلى العمل المنزلي وحماية العاملات من الظلم الإقتصادي والإجتماعي والجسدي والمعنوي.