المدافعات عن حقوق الانسان في مناطق النزاعات المسلحة – اليمن مِثالاَ
تعيش المنطقة الحروب والنزاعات المسلَحة، هذا الى جانب السياسات والممارسات القمعية للأنظمة الحاكمة التي قد تُشعر المدافعات والمدافعين عن حقوق الانسان بحالة حرب دائمة ضدَهم. وتزيد النزاعات المسلحة من الأخطار على النساء. ويتأثّر بشدّة الأشخاص ذوي الاعاقات في الحروب أيضاً ويتزايد عدد المصابين، فتقوم النساء عادةً بالدور الرعائي وتتتقلّص او تنعدم الخدمات المقدّمة لهن*. مثلاَ في 2013 رصدت المدافعة عن حقوق الانسان ينار محمد حالات تشوّه وإعاقات عند ٦٠٠ طفل في الحويجة في شمال العراق وتتحمل النساء أعباء رعايتهم، وسبب هذه التشوهات كان تواجد قاعدة عسكريّة أميريكية كانت تصدر يورانيوم منبّض استنشقته الأمّهات. وفي سوريا، يعاني ذوي الإعاقات من صعوبة الحصول على مساعدات، من بينها لا مساواة في الحصول على المساعدات الغذائية، بالإضافة الى صعوبة أكبرفي التنقَل والنزوح.
أما المدافعات عن حقوق الانسان، فهن أيضاً يتعرضن لتزايد الخطر على سلامتهن، مما يزيد في الكثير من الأحيان الضغط العائلي والاجتماعي للإنكفاء عن ممارسة عملهن. ومع غياب الخدمات وآليات المحاسبة يصبح وضعهن الأمني أكثر خطراً. وقد أدَت النزاعات المسلَحة في ليبيا الى مقتل ناشطات مثل سلوى بوقعيقص وفي سوريا قُتِلت الناشطة فاطمة خالد سعد تحت التعذيب في الفرع الأمني السياسي في اللاذقيّة ولا تزال المدافعتان عن حقوق الانسان رزان زيتونة وسميرة خليل وباقي رفاقهما في “دوما أربعة” مغيّبين من قبل ميليشيا جيش الاسلام.
وهنا نلقي الضوء أكثر على الوضع في اليمن كمثال على وضع المدافعات في مناطق النزاع المسلّح، وقد خلال أجرينا مقابلة مع لينا الحسني رئيسة مؤسسة أكون للحقوق والحريات.
بدأ الوضع الأمني والسياسي في اليمن بالتأزم منذ 2011، لكنَه تدهور في 2015 بعد الإنقلاب المسلّح الذي قام به حركة أنصار الله، أو ما يُعرف بالحوثيين، بالتعاون مع قوات الرئيس اليمني السابق علي عبدالله الصالح ففرضوا على الرئيس عبدربه منصور هادي الإقامة الجبرية. إنتقل الرئيس هادي الى عدن وأعلنها عاصمة اليمن المؤقتة فقام الحوثيون بقصف قصر المعاشيق حيث يقيم. جرّاء هذه التطوراتشنّت قوّات التحالف العربي بقيادة السعوديّة الحربسُمّيِت “عاصفة الحزم” في مارس/آذار 2015 مع قصف جوّي لكافة المناطق اليمنيّة.
صرَحت الأمم المتحدة عن مقتل ستة آلاف شخص بسبب الحرب، نصفهم من المدنيين منذ بدء هجمات التحالف السعودي-العربي على الحوثيين. وقد قُتِل أكثر من ستة مئة طفل وجرح نحو 900 آخرين. ونبّه مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان بأن ضربات التحالف لا تتحاشى المدنيين، بلتتضمن “عدد غير متناسب” من الهجمات على مناطق تواجد مدنيين. كذلك ترصد المدافعات والمدافعين عن حقوق الانسان إنتهاكات بحق المدافعات/ين والمدنيين من قبل الحوثيين، مثل قمع حريّة التعبير وحريّة الحركة وتزايد التهديدات الأمنيَة، وهذا ما شرحته لينا الحسني في مقابلتنا معها.
تقوم مؤسسة أكون للحقوق والحريات حيث تعمل الحسني بالتدريب في ما يتعلّق بمناهضة العنف ضد المرأة والعنف الاسري. وتتعاون المؤسسة مع منظمات أخرى ووسائل الإعلام لرصد الانتهاكات خصوصاً من قِبل ميليشيات الحوثي، كما ترصد الأزمات الاجتماعية والاقتصاديّة التي تنتج عن النزاع المسلّح، مثل إلقاء الضوء على ضحايا الألغام التي تركها الحوثيين، الجوع وسوء التغذية، التشريد والنزوح والمرض. وتقدّم المؤسسة الدعم للضحايا.
حول عملها تقول الحسني: “في فترة الحرب وما قبلها ركّزت أكثر على الانتهاكات التي تطال النساء بشكل عام والمدافعات بشكل خاص.” ويتضمن عملها “رصد الانتهاكات وكتابة التقارير وايضا تصوير الأفلام الخاصة بالعنف ضد النساء خلال الحرب… الوضع الامني خطير حيث أنهم (أي الحوثيون) يقومون باعتقال كل من يعارضهم ويضعوهم كدروع بشريّة في الاماكن المعرّضة للقصف من قبل قوات التحالف وهناك أيضاً تهديد النشطاء والناشطات مما أدى الى هروب العشرات خارج اليمن. “الوضع السياسي ايضاً غير مستقر حيث انه الى فترة قريبة كان الرئيس والحكومة يزاولون مهامهم من الرياض غير أن هذا الأمر تغيّر وعادت الحكومة الى العاصمة المؤقتة عدن لكنهم الآن يحاولون استهداف الحكومة”.
أدت الحرب الى مقتل الناشطة المسعفة سالي أحمداللحجي أثناء قيامها بعملها بإسعاف الجرحى، وقد أُصيبت مدافعات مثل الدكتورة فاطمة الكوكبي وزهرة صالح. ودعت “مؤسسة صح لحقوق الإنسان” في صنعاء جميع الأطراف المتحاربة بعدم القصف على الطواقم الطبيّة.
إضافةً، تطيح الحرب بمكتسبات النساء وبالإنجازات التي حققنها. ففي اليمن، إستطاعت الثورة في 2011 بتحقيق إنجازات ملحوظة حيثتم تعيين ثلاث وزيرات لأوّل مرّة في تاريخ البلد ومستشارة في مكتب رئيس الجمهوريّة وقاضيين من النساء في اللجنة العليا للإنتخابات. وتشرحلينا بأن “عند بداية ثورة التغيير في اليمن اصبح للمجتمع المدني قوة أكبر وصوت أعلى وأصبحت مشاركة النساء أقوى وتحدّت المرأة كل الأعراف والتقاليد القبليّة لكنه لم يدم طويلا حيث حاولت كل القوى المتصارعة بمختلف إنتماءها طمس هذه الانتفاضة النسوية وطيّها تحت سيطرتهم بشتى الطرق، ورأينا هذا في التمثيل الغيرعادل للمرأة منذ الحوار الوطني حتى الآن من خلال اللقاءات والمشاورات الوطنية.” فبعد تأزّم الوضع الأمني تواجه النساء صعوبة التواجد في المجال السياسي ومراكز صنع القرار، ومن بينها صنع قرار السلم وإعادة بناء الدولة والمجتمع، فحضرت إمرأة واحدة من المؤتمر الشعبي العام محادثات السلام في جنيف في حزيران 2015. ومنع الحوثيون الناشطة شفيقة الوحش من السفر لحضور إجتماعات محادثات السلام. وتتلاقى الناشطات اليمنيات من مختلف الأحزاب السياسيّة في إصرارهن على ضرورة إشراك النساء في عملية إعادة السلام في اليمن.
وعن تجربتها الشخصية كمدافعة عن حقوق الإنسان تقول الحسني: “أثناء الحرب واجهت كثير من الصعوبات في النقل وصعوبة رصد الإنتهاكات حيث ان الحوثيين كانوا مسيطرين على بعض مناطق مدينة عدن التي كنت فيها خلال الحرب.” ولأن أسرتها تعمل في مجال الحقوق والسياسَة فقد واجهوا “الكثير من التهديدات عقب إستشهاد أخي الذي اصيب برصاص القنّاص أثناء اسعافه للجرحى.” كما تشرح بأنها “واجهت صعوبة كبيرة في كوني امرأة في حكم المجتمع يجب ان ألزم البيت خلال الحرب وعدم السماح لنا بالتنقل بحريه للإغاثة ورصد الانتهاكات”.
والحسني هي من بين الذين اضطروا الى مغادرة اليمن، وقد تحسَن وضعها الأمني بالرغم من وجود صعوبات في السفر بسبب إقامتها المحدَدة، فيصعب الخروج والمشاركة في مؤتمرات لتضوَي على الحالة وعلى وضع المدافعات عن حقوق الإنسان، فيصبح الإنترنت المساحة الأفضل المتاحة لها.
وفي تقرير للمفوضيَة السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئيين في يوليو/تموز 2015، كان عدد النازحين من اليمن قد وصل الى 49,569، مع نزوح داخلي وصل الى 1,019,762. كما جاء في نفس التقرير بأن برنامج الأغذية العالمي لم يتمكن من إيصال الغذاء الى اللاجئيين في مخيَم خرز في اليمن بسبب عدم قدرتهم في الوصول اليهم. وقد أدّى الحصار البحري الذي تفرضه السعوديّة الى نقص في المياه والوقود.
تشرح الحسني بأن “الإنفلات الامني وغياب الدولة لوقت طويل أدّى الى ظهور العنف والعصابات والجماعات المتطرّفة في بعض المناطق والخلايا النائمة التابعة للرئيس الأسبق علي صالح ومحاولتها زعزعة الأمن في تلك المناطق.” إضافة، تزيد الدول الخارجيّة من الأزمات، خاصةً حين ترسل دول غربيّة مساعدات عسكريّة الى السعوديّة تُستعمل في اليمن. وكما جاء في ورقة الموقف التي نشرته صوت النسوة، إن التحالف السعودي-العربي يؤدّي الى مدح الخيارات العسكريّة والى وضع “شعوب الدول تحت وطأة الخيارالعسكري الذي يلغي فكرة وأساس التضامن.” وينتج عن هذا التحالف العسكري كذلك تعتيم إعلامي على الكثير من الإنتهاكات.
في منطقة تزداد فيها النزاعات المسلّحة، تتراجع أوضاع النساء عموماً والمدافعات عن حقوق الانسان خصوصاً، ويصبحن عرضة للإختطاف والإستهداف والإعتداء والقتل. كما تتأثر قدرة الناشطات على مزاولة عملهن في الدفاع عن حقوق الإنسان ورصد الإنتهاكات. ففي اليمن كما في الكثير من البلدان التي تعيش حروباً داخليّة وخارجيّة، تكثر الأخطار والضغط العائلي وتغيب آليات المحاسبة ويصبحمن الصعب توثيق الحالات ومساندة الضحايا والناجين والناجيات من العنف العسكري والاجتماعي والاقتصادي والسياسي، خاصة حين تضطر الكثير من المدافعات الى الهجرة ومتابعة عملهن من الخارج.
—
* Nirmala Erevelles, “The Color of Violence: Reflecting on Gender, Race and Disability in Wartime”