اللقاءُ الإستشاري الثالثُ للمُدافِعات عن حقوقِ الإنسان في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: التضامنُ الإقليمي كإتجاٍه في عملِ المدافعات

عقَدَ “التحالفُ الإقليمي للمدافعاتِ عن حقوقِ الإنسانِ في الشرقِ الأوسط وشمال أفريقيا” لقاءَه الإستشاري الثالث الذي حضرته أكثر من 15 مدافِعة من مختلفِ دولِ المنطقة وأكثر من أربعِ ممثلاتٍ لشركاءَ دوليين، وذلك بهدفِ تحديثِ الإستراتيجياتِ الخاصةِ بنشاطاتِ التحالفِ الإقليمية، خصوصاً تلك المتعلقة بالتغييراتِ التي طرأت على السياقاتِ المحلية منذ العام الماضي. كما ركَّز اللقاءُ على التحدياتِ الخاصةِ بالمُناصَرَةِ الدولية والتي أثرَّت سلباً على العملِ المحلي، إضافةً إلى التعرُفِ على سُبلِ المُناصرةِ المحليةِ خاصةً في دولِ شمال أفريقيا وآلياتِ التضامنِ النسوي والإقليمي كوسيلةِ مناصرةٍ وضغطٍ إقليميةٍ ودولية.

انطلق اللقاءُ بتعريفٍ رسمي للمُدافِعةِ وعلاقةِ التعريفِ بالقرار الدولي الصادرِ عن الأمم المتحدة عام 2013 والرامي إلى حمايةِ المدافعاتِ والإعتراف بهن من قِبلِ الدولِ والإقرار بأهميةِ دورهن. وخلصَت مناقشةُ التعريفِ إلى أنه، وبسببِ غيابِ الترجمةِ العربيةِ الواضحةِ لقراراتِ الأممِ المتحدة، هناك غيابٌ وافتقارٌ واضحان لمفهومِ المُدافع/ة عن حقوق الإنسان في كياناتِ المجتمعِ المدني، الأمر الذي يزيدُ من التحدياتِ التي تواجهُها المدافعاتُ في عملهن.

 

وبعد ذلك عُرِضت السياقاتُ المحليةُ للمُدافعاتِ فتَبَينَ وجودُ إستراتيجيةٍ متشابهةٍ ومشتركةٍ بين السلطاتِ في الشرقِ الأوسطِ وشمالِ إفريقيا من حيث إستخدام القوانين وخطاب محاربةِ الإرهاب لشرْعنةِ انتهاكاتِ حقوقِ الإنسان في تلكَ الدولِ وعرقلةِ عملِ المدافعاتِ بشكلٍ خاصٍ باستخدامِ التكتيكاتِ الأبويةِ والذكورية (كتشويهِ سمعةِ المُدافعاتِ في مصر والعراق، وتهديدِ عائلاتِ المدافعاتِ في الكويت والبحرين والسعودية، والتنميرِ والتحرشِ على وسائلِ التواصلِ الاجتماعي في مختلفِ دولِ الشرقِ الأوسطِ وشمالِ أفريقيا).

كما نوقشت السبلُ المختلفةُ التي اتخذتها المُدافعاتُ لحمايةِ أنفسِهن خلال الأعوامِ الماضية، ومحاولتهن ابتكارَ طُرقٍ فعالةٍ وجديدةٍ للحمايةِ من خلالِ الوصولِ إلى المناصرةِ المحليةِ والإقليميةِ والدوليةِ التي تتطلبُ في نهايةِ المطافِ تضامناً إقليمياً. وعُرضَت تجربةُ المدافعاتِ في أميركا الوسطى لاستخلاص بعضِ العِبَرِ من تجاربهن وتحليلها وربطِها بواقعِ المدافعاتِ في الشرقِ الأوسطِ وشمال أفريقيا.

هناك عددٌ من الانعكاساتِ التي لوحظَت ورُصِدت في اللقاءِ الاستشاري الثالث، وخاصةً ما يتعلقُ بضرورةِ توفيرِ العملِ الآمنِ للناشطاتِ وتمكينهن من الاستمرارِ بشكلٍ دائمٍ وبسلامٍ، لا سيما بعد تمكنِ المدافعاتِ من عرضِ مقارنةٍ عابرةٍ للأقاليم.

إلى ذلك، تم التطرقُ إلى المناصرةِ الدوليةِ وتحدياتِها، وضرورةِ ابتكارِ آلياتٍ وطنيةٍ لحمايةِ المُدافعاتِ لتسهيلِ الوصولِ إلى الآلياتِ الدولية واستخدامِها بشكلِ فعالٍ، في ظلِ نظرةٍ شبهِ استسلاميةٍ في ما يتعلقُ بالآلياتِ الدولية يتزامنُ مع نقصٍ كبيرٍ في المعلوماتِ بشأنِ تلك الآليات.

وطرح اللقاءُ الاستشاري الثالث التضامنَ الإقليميَ كإتجاهٍ جديدٍ في عملِ المُدافعاتِ في ظلِ إغلاقِ الفضاءاتِ العامة وإسكاتِ المدافعاتِ وتبادلِ الأنظمةِ استنساخَ التجاربِ القمعية. هناك حاجةٌ ماسةٌ للتضامنِ الإقليمي ذلك أن معاناة المدافعاتِ في بلدانهن لم تعد محليةً، في ظلِ تشابهٍ في العنف، وبعضٌ من أنماطِه عابرةٌ للحدود، على الرغم من ازديادِ أقاليم المنطقة تقوقعاً في الوقتِ نفسه. وفهمُ القضايا من منظارٍ إقليمي يسهِلُ فهمَها محلياً، ويسهِلُ تمكينَ المدافعاتِ من العملِ بسلامٍ وأمان.

وفي الحوارِ مع الشركاءِ الدوليين، تطرقت الحاضراتُ إلى الغيابِ الفعلي للدعمِ النسوي الذي تحتاجُه المُدافعات، إذ لا يسلَطُ الضوءُ على عملهن، ويتِم تبسيطُ تجاربهن أو إهمالُها وإعطاءُ المساحاتِ والأضواءِ لجمعياتٍ أو شخصياتٍ مشهورةٍ ومعروفةٍ ولديها الدعمُ الكافي، الأمر الذي يعرقلُ عملَ التجمعاتِ والجمعياتِ التي تتعرضُ لشتى صنوفِ العنفِ والاضطهادِ من دونِ أي داعمٍ وحامٍ.

هناك إذاً حاجةٌ لتعزيزِ التضامنِ الإقليمي كإتجاهٍ في العملِ الحقوقيِ والنسوي في ظلِ موجاتِ القمعِ العابرةِ للأقاليم، ومحاولاتِ السلطاتِ الدائمةِ إسكات المدافعاتِ وتقييد عملهن باستخدامِ أنماطٍ للعنفِ القائمِ على التمييزِ الجندري بشكلٍ أساسي، في إطارِ خطاباتِ الدولِ المتعلقةِ بمكافحةِ الإرهاب وتحويلها شمَّاعةً لتبريرِ الإنتهاكاتِ اليومية. وبما أن هذه الانتهاكات تقعُ يومياً، فإن التضامنَ الإقليميَ بدوره  فِعلٌ يومي. ولئن الانتهاكات والاعتداءات تستهدفُ تخصيصاً وبصورةٍ مركّزة  المدافعاتِ عن حقوقِ الإنسانِ في المنطقة، فإن التضامنَ الإقليميَ هو أيضاً نسويٌ كخطابٍ مواجهٍ للعنفِ الأبوي والذكوري.

Facebook
Twitter
LinkedIn